الأنبا إرميا
تحدثت المقالة السابقة عن بَدء حكم «الملك العادل الصغير» الذى تولى «مِصر» بعد وفاة أبيه «الملك الكامل»، والذى على الرغم من كونه الابن الأصغر فقد وقع اختيار أمراء «مِصر» عليه لتولى الملك، لكنّ أخاه الأكبر «الملك الصالح نَجم الدين» لم يقبل بذلك فخرج بجنوده إلى «دمشق» ثم «نُابُلس». وبعد وقائع وأحداث عدة، اقتيد إلى «الكَرَك» حيث ظل حبيسًا سبعة أشهر؛ وحين وصلت أخباره إلى أخيه «الملك العادل الصغير» فى «مِصر»، فرِح فرحًا شديدًا وابتهج وأرسل إلى «الملك الناصر داود» حاكم «الكَرَك»، يطلب منه إرسال أخيه «الملك الصالح» إليه مقابل مائة ألف دينار فلم يقبل. ثم أرسل كل من حاكم «بَعْلَبَك» وحاكم «حِمْص» إلى «الملك الناصر داود»، يطلبان إليه تسليم «الملك الصالح» إلى أخيه «الملك العادل الصغير» فلم يستمع إليهما. وهكذا ظل «الملك الصالح» فى حبسه حتى أخرجه «الملك الناصر داود» وتحالفا معًا، فيذكر «ابن تَغْرى»: «فأخرجه «الناصر» وتحالفا واتفقا، وذلك فى آخر شهر «رمضان»، وكان تحليف «الناصر داود» «للصالح أيوب» على شىء ما يقوم به أحد من الملوك، وهو أنه يأخذ له «دمشق» و«حِمْص» و«حَماة» و«حلب» و«الجزيرة» و«الموصل» و«ديار بكر» ونصف ديار «مِصر»، ونصف ما فى الخزائن من المال والجواهر والثياب وغيرها؛ فحلف «الصالح» على هذا كله وهو تحت القهر والسيف».

وقد أدى التحالف بين «الناصر داود» و«الملك الصالح» إلى تكوين تحالف مضاد بين كل من «الملك العادل الصغير» وعمه «الملك الصالح إسماعيل» و«أسد الدين» حاكم «حِمْص»، إذ اتفقوا على التوجه إلى «الناصر» و«الصالح». وتوجه «الملك العادل الصغير» بجيوشه حتى وصل إلى «بلبيس»، وهناك وقع الخلاف بين الملك وأمرائه، وتزايدت حدة الخلاف حتى قبض الأمراء على «الملك العادل الصغير»، وأرسلوا إلى أخيه «الملك الصالح» بالإسراع بالقدوم إلى «مِصر». فأسرع «الملك الصالح» بالتوجه إلى «مِصر» ومعه «الملك الناصر داود»؛ وحين وصلا إلى «بلبيس» نزلا فى خيمة «العادل الصغير» الذى كان معتقلاً. ويذكر «أبو المظفر» أن «الملك الصالح» قص عليه بعض الأحداث التى وقعت فى أثناء التوجه إلى «مِصر»، فقال: «ما قصدت بمجىء «الناصر» معى إلا خوفًا أن تكون (مكيدة) معمولة علىّ، ومنذ فارقْنا «غزة» تغيَّر علىّ، ولا شك أن بعض أعدائى أطمعه فى المُلك، فذكر لى جماعة من مماليكى أنه تحدث معهم فى قتلى».

وفى «بلبيس»، طلب «الملك الناصر» إلى «الملك الصالح» أن يطلق سراح «الملك العادل الصغير»، لكن «الصالح» قام فى الليل وأخذ «العادل» فى مِحَفّة ورحل به إلى «القاهرة»، التى حين دخلها أرسل عشرين ألف دينار إلى «الملك الناصر» فلم يقبل المال وأراد نصف ما فى خزائن «مِصر». وهكذا أخذ «الملك الصالح أيوب» حكم «مِصر» من أخيه «الملك العادل الصغير»، وحبسه بالقلعة سنين، ثم بعث بمن قتله خنقًا بشاش وعلقه به كى ما يبدو موته انتحارًا!!، وذُكر عن «الملك الصالح»: «وعاش بعده «الملك الصالح» عشرة أشهر رأى فى نفسه العِبَر من مرض تمادى به وما نفعه الاحتراز». وبذلك كان حكم «الملك العادل الصغير» لـ«مِصر» مدة سنة واحدة وشهرين تقريبًا، امتلأت بالفتن وعدم الاستقرار، وقيل عنها: «ولم يُعرف حاله فيها لصغر سنه وقصر مدته». وكان «للملك العادل الصغير» ابن يسمى «الملك المغيث»، ظل مقيمًا بقلعة الجبل (قلعة صلاح الدين) حتى وصل إليها ابن عمه «الملك توران شاه»، فنقل «المغيث» إلى «الشُّوبَك» وظل بها حتى وفاة «توران شاه». فتملك «الملك المغيث» على «الكَرَك» ونواحيها. أما «مِصر»، فكانت ما تزال فى حكم «الملك الصالح أيوب»، و... والحديث فى «مِصر الحلوة» لا ينتهى!.

* الأسقف العام
رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى
نقلا عن المصرى اليوم