محمود العلايلى
فى مقطع حوارى من فيلم "ريا وسكينة" قالت الفنانة نجمة إبراهيم وهى تحكى عما تكابده من مشقة عند قتل ضحاياها: ماحدش بياكلها بالساهل، وأردفت: الولية عضتنى وأنا باخنقها، ثم أكملت مستنكرة: أكنش عدوتها!؟ والحقيقة لا أعرف على وجه التحديد إن كان المقصود من جمل الحوار المتتابعة هو توكيد إسباغ الشر على دور بطلة الفيلم، أم إستدرار التعاطف معها، أم الدفع لتفجير موجة من الضحك العارم من الجدية الشديدة التى تؤدى بها نجمة إبراهيم بالتناقض الذى تتحدث به عن دفاع الضحية عن نفسها وكأنها لاتضمر لها شرا، وليس بينهما إلا الخنق وسلب ما ترتديه من مصوغات وجواهر، وهو أمر لا يستدعى العداوة التى تصل إلى حد العض!
والحقيقة أن المتابع لمقالات الرأى بشكل عام، ومنشورات منصات التواصل الإجتماعى، لن يفوته أن المقالات والمنشورات لها مواسم وموجات ثابتة ومنتظمة طوال العام، فخلال الأسبوعين الحاليين يحل موسم الهجوم والدفاع على 23يوليو، بينما يبدأ موسم الهجوم على الساحل الشمالى ومرتاديه من أوائل يوليو ويستمر الهجوم والسخرية بضراوة إلى أن يميل للخفوت أواخر أغسطس، ويختفى تماما بعدها وتعود المقالات والمنشورات لسابق عهدها، أو لانتظار موسم آخر يحل فيه مواضيع أخرى تكرر تناولها والتعليق عليها.
والحقيقة أن هناك شعرة تربط بين الهجوم والسخرية من مرتادى الساحل و23يوليو وهو التأثير اليوليوى فى التناول، وربط الفقر بالشرف مع الإلتزام بربط الغنى أو الرفاهية بالفساد والتفاهة، وذلك بدلا من دفع الناس لتحسين أحوالهم، وهى مفاهيم مازالت متحكمة فى طرق التفكير ومازالت مسيطرة على أساليب حكمنا على الأشخاص والأمور، حتى أن العديدين ممن أنعم عليهم الزمن بالغنى والرفاهية يميلون لإخفاء نعمهم، ليس من باب الخوف من الحسد بحسب المعتقد المصرى السائد، ولكن من باب الخوف من الإتهام بالفساد أو التسلق أو الإنتهازية، حتى لو كان مصدر الثروة معروف وجاء بطرق شريفة وشفافة، إلا أن الإبتزاز الضمنى من المحيطين أو وسائل الإعلام العامة ومنصات التواصل هو ما يجعل الإغلبية تتعامل بتحفظ شديد، تحسبا للهجوم أو الإتهام.
وإذا كان هذا هو وضع الأغلبية، فإن الأقلية على النقيض، يمارسون ما يسمى بالإنفاق التفاخرى، وهى وسائل إنفاق المال بشكل لايرتبط بحاجات معينة بقدر ما يرتبط بالإعتداد بالثروة، وحب الظهور والتركيز على جذب الإنتباه، وهو نمط لا يمكن إنكاره من ناحية، ولكن لايمكن تعميمه من ناحية أخرى، إلا أنه المادة المضمونة والمستهلكة فيما يتعلق بالهجوم والسخرية من الساحل الشمالى ومرتاديه.
أما الخيط الذى يربط العبارات الخالدة للفنانة نجمة إبراهيم، وبين الهجوم والسخرية من الساحليين، هو أن أغلب هذه المنشورات على منصات التواصل، وأغلب تلك الفيديوهات التى تمتلأ بها تليفونات المصريين منشورة ومبثوثة من مرتادى الساحل الشمالى، والذين إعتادوا الإصطياف به سواء من لديهم ممتلكات خاصة، وسواء من إعتادوا الإستإجار، فالجميع يذهب وهو مدرك تماما الفوارق بين الأسعار فى القاهرة وغيرها، وبين أسعار الساحل فى الإقامة والأكل والترفيه، والجميع يذهب وهو مدرك نمط الملابس والحفلات ومرح الشواطئ ومايتكلفه ذلك، ولكن للأسف الشديد فإن البعض تجده مع الإلتزام السنوى بالذهاب تجده ملتزم أيضا بنوع نادر من الفصام "السكيزوفرانيا" حيث يمارس كل ما يمارسه الساحليون، ثم ينتحى بنفسه بعيدا عن الأعين، ويشرع فى ترتيب الفيديوهات ونشرها، وإعداد الإنتقادات الساخرة والهجومية، متهما الجميع، ومحذرا من دخول تلك المنطقة المملوءة بالألغام الإجتماعية والأخلاقية، فى ممارسة لا تعد إلا محاولة للتطهر الساذج على حساب الآخرين، والظهور بمظهر الملائكة بشيطنة من حوله، لا يختلف فى ذلك عن "ماحدش ياكلها بالساهل، عضتنى وأنا باخنقنها، أكنش عدوتها"!!
نقلا عن المصرى اليوم