طارق الشناوي
كلما حاولت تلك النجمة الصعود من كبوتها المزدوجة سينمائيًّا ودراميًّا، تجد نفسها قد انتقلت من (حفرة) إلى (دحديرة)، محققة فشلًا يتجاوز فى معدله آخر ما وصلت إليه فى المرة الأخيرة، على طريقة إطفاء الحريق بإشعال حريق فى دائرة أبعد، وعندما تمتد النيران إلى تلك المساحة لا تجد ما تأكله فتتوقف، إلا أن ما يصلح لإخماد الحرائق لا يصلح لإشعال الفن.

لم تنسَ أبدًا أنها بدأت حياتها مطربة، فلم يصادفها النجاح، انتقلت إلى دنيا التمثيل (لعل وعسى)، وحققت بالفعل قدرًا من (لعل وعسى)، كان الرهان عليها كبيرًا كنجمة قادمة إلى عالم الإغراء، إلا أن الزمن كان له رأى آخر، الأنوثة عندما لا تُدعم بموهبة يصبح لها عمر افتراضى، وهكذا بعد أن انحسر عنها الضوء، قررت العودة إلى البداية، وبين الحين والآخر تغنى، فتفشل، تلحن لنفسها، فتفشل أكثر، من الممكن أن تلمح على (النت) كلمة إشادة وذبابًا إلكترونيًّا ينتشر محققًا رقمًا، ولكن، وكالعادة، يخبو مع الزمن كل شىء، إلا أن الرغبة لديها لا تخبو أبدًا.

تستطيع أن تضع الفنان تحت (ترمومتر) اسمه الفشل، فكلما امتلك القدرة على إدراك الحقيقة والتعامل معها سيُكمل الطريق، إلا أن البعض يفضل الحل الثانى، وهو أن يعيش فى جزيرة هلامية (لالالاند) تُحيل هزيمته إلى انتصار.

نور الشريف ظل يحلم بالإخراج على مدى أكثر من عشرين عامًا، وعندما أُتيحت له الفرصة مطلع الألفية الثالثة بفيلم (العاشقان) وجد نفسه قد وقف فى مرحلة متوسطة، فلم يدافع عن حقه فى مواصلة مشواره مع الإخراج. من الممكن اعتبار (العاشقان) بمثابة الجزء الثانى من الفيلم الاستثنائى (حبيبى دائمًا)، الذى جمع بينه وبين بوسى، تأليف كوثر هيكل، وإخراج حسين كمال، إلا أن نور فى (العاشقان) قدم على الشاشة ما أطلقت أنا عليه (إخراج شرعى)، ولم يجادل، فقط لم يكررها.

عندما يمضى بنا قطار العمر، تلاحقنا أحيانًا هزائم الماضى، ونبدأ فى مواجهتها، مثلًا كان أنور وجدى يقسم قرص الطعمية نصفين، يضع كل نصف فى رغيف عيش، الأول للغداء والثانى للعشاء، وعندما عرف النجاح الجماهيرى والمادى، قرر أن يأكل، وبإسراف، ويومًا ما سخر منه كمال الشناوى قائلًا: «كيف يطلقون عليه

(دونجوان) وهو يحمل هذا الكرش أمام بطنه وذاك اللدغ تحت ذقنه؟!». وعندما التقى به كمال الشناوى عاتبه قائلًا: قل ما تشاء عنى إلا كرشى ولدغى، وحكى له أنه يأكل كثيرًا حتى يعوض سنوات الجوع، برر بزوغ الكرش واللدغ، ولكنه لم يدافع عنهما.

عبدالحليم حافظ مثلًا حاول فى مرحلة ما التلحين، إلا أنه اكتشف أن ما سيقدمه له الموجى والطويل وبليغ ومنير مراد أروع، فتوقف.

أم كلثوم لحنت أغنيتين فى مطلع حياتها، ثم تركت العيش لخبازيه، أقصد السنباطى وزكريا والقصبجى، وفى مطلع الستينيات تبنت «إبراهيم»، ابن شقيقها «خالد»، وقررت تقديمه مطربًا، إلا أنها أدركت أنه لا يملك (كاريزما)، وتوقفت عن دعمه، والغريب أنك لن تجد له أى تسجيل بصوته فى (أرشيف) الإذاعة المصرية.

من الممكن أن تملك تلك الممثلة قدرًا من النجومية، وتكون لديها القدرة المادية التى تتيح لها التواصل مع (الميديا)، وقد يجاملها البعض، إلا أنها فى النهاية ستقدم (كليب) تنفق عليه من مالها الخاص، وسيلحق مثل أشقائه السابقين بالأرشيف، (فهو من الأرشيف وإلى الأرشيف يعود).

يبدو أنها أدمنت الفشل، تصحو مبكرة على فشل، وتنام قريرة العين على فشل!!.
نقلا عن المصري اليوم