محرر الأقباط متحدون
ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي يوم الأحد الثلاثين من تموز يوليو القداس الإلهي في كنيسة الصرح البطريركي الصيفي في الديمان، وألقى عظة قال فيها "يسعدنا أن نحتفل معًا بهذه الليتورجيا الإلهية، فنجدد إيماننا بالمسيح طبيب الأرواح والأجساد. ونعود إليه ملتمسين شفاءنا الجسدي والروحي والمعنوي".
 
قال البطريرك مار بشارة بطرس الراعي في عظته مترئسا قداس الأحد "نشهد عندنا اليوم وبكل أسف فسادًا على كل صعيد: فسادًا سياسيا، فسادًا أخلاقيا، فسادًا إداريا، فسادًا قضائيا، فسادًا تجاريا. فخسرت العقول الحقيقة واتّجهت نحو الكذب؛ وخسرت الإرادات الطاقة على الخير، ومالت إلى الشر والظلم والاستبداد والاستكبار؛ وخسر الإنسان إنسانيته وبهاء صورة الله فيه، فأصبح شريرًا. هذا هو مكمن انهيار العمل السياسي عندنا في لبنان، فبدلًا من أن يبني، نراه يهدم، بدءًا من عدم انتخاب رئيس للجمهورية منذ أحد عشر شهرًا، وصولًا إلى تعطيل المجلس النيابي الذي أصبح هيئة ناخبة وفاقدة حق التشريع، وإلى جعل الحكومة محصورة في تصريف الأعمال وبالتالي فاقدة حق التعيين، وصولًا إلى إسقاط المؤسسات الدستورية والإدارية الواحدة تلو الأخرى. هذا بالإضافة إلى تفشي روح الحقد والبغض والضغينة والكبرياء والاستبداد وروح الهدم وأخذ البلاد رهينة بشعبها وأرضها ومؤسساتها لصالح شخص أو فئة أو مخطط. وفوق كل ذلك بل والأخطر أنهم يضعون الله وكلامه ورسومه ووصاياه جانبًا، وكأنه غير موجود، على الرغم من المظاهر الدينية الزائفة والكاذبة".
 
وتساءل غبطته قائلا "هل من أحد يشرح لنا لماذا لا يلتئم المجلس النيابي في جلسات متتالية بدوراتها لانتخاب رئيس للجمهورية بحسب المادة 49 من الدستور، ويوجد مرشحان أساسيان كفؤان كما ظهر في جلسة 14 حزيران الماضي؟ فإما ينجح واحد منهما وإما لا أحد، ولكن بعد ثلاث دورات متتالية على الاكثر، يصار الى الاتفاق على ثالث بحوار مسؤول. وهل من يقول لنا لماذا أُبطل النصاب في تلك الجلسة التي كادت أن تكون حاسمة؟ وهل من يشرح لنا الغاية من ترحيل هذا الاستحقاق الاساسي لقيام مؤسسات الدولة الى شهر أيلول؟ أهي عطلة شهر آب للسادة النواب، للاستجمام بحرًا وجبلًاً وسفرًا، فيما الشعب يموت جوعًا، والدولة في حالة الفوضى الدائرة، والنازحون السوريون يحتلون البلاد بدعم من الأسرة الدولية، ونحن مغفلون، وهم متناسون أرضهم ووطنهم وتاريخهم وثقافتهم. فلو أن المسؤولين في الدولة يعتنون بجمع أموالها من فواتير الكهرباء والماء من الجميع، ولو أنهم يضبطون مداخيلها من الجمارك في المطار والمرافئ والمؤسسات الادارية وسائر الدوائر التابعة لها، ولو ضبطت الخوّات لدى موظفيها، ولو اوقفت التهريب خروجًا ودخولًا عبر مداخلها الشرعية وغير الشرعية، ولو وضعت حدًا للسرقات المالية، لوفّرت المال اللازم والكافي لدفع اجور موظفي القطاع العام ورواتبهم، من دون المس بالاحتياط وبأموال المودعين في البنك المركزي!"
 
وأضاف البطريرك الراعي "ونقول لهم: لا يمكن الاستمرار في ضرب القطاعات الاقتصادية وخصوصًا القطاع السياحي الذي شهد هذا الصيف انتعاشًا بعودة المغتربين والسياح بعد الازمات المتنوعة التي عشناها حيث يتم إطلاق الشائعات الهدامة حول ارتفاع الاسعار من دون ذكر وجود مروحة من الاسعار والخدمات. أتعلمون ان القطاع السياحي شكل خشبة الخلاص للاقتصاد المنهار، فبلغ عبر السنوات حوالي ٢٥ بالمئة من الدخل القومي؟ لقد تم فرض رسوم اشغال على الاملاك العامة والمنتجعات البحرية من قبل الدولة بالدولار الفراش بينما تغاضت عن القيام بأي تسوية لشاغلي الاملاك النهرية ومشاعات الدولة واملاكها الخاصة، مما يحرمها من أن تؤمّن مداخيل طائلة للخزينة واستقرار الاستثمار على انواعه. فهل ما يجوز من ناحية لا يجوز من ناحية اخرى؟ إن الحفاظ على القطاع السياحي اسوة بباقي القطاعات هو في اساس بناء الوطن والحفاظ على أبنائه".
 
وفي ختام عظته مترئسًا قداس الأحد، قال البطريرك مار بشارة بطرس الراعي "في هذه الظروف الصعبة نلتجئ الى العناية الالهية، التي بيدها غير المنظورة تُحافظ على لبنان، كأرض مقدّسة. ولنلتَمس من الله أن يمسّ ضمائر المسؤولين عمّا آلت اليه بلادنا من انحطاط ودمار، لكي يعودوا الى الله، ويصغوا الى كلامه، ويعملوا بموجب رسومه ووصاياه. له المجد والشكر، الآب والابن والروح القدس، الآن والى الأبد، آمين".