د. منى نوال حلمى
في أوروبا أصبح المواطن، امرأة، أو رجلا، يشعر بأن الوطن، الذي ولد على أرضه، وتربى على خيراته، وعاش فيه أجمل الذكريات، يتعرض لخطة مرسومة، واحدة من الغزوات الإسلامية.

انتشار المساجد والجوامع، وميكروفوناتها، حشود الصلاة في الشوارع والميادين، الاحتفال بالمناسبات الدينية التي لا حصر لها، انتشار الحجاب والنقاب، محلات إسلامية، جمعيات إسلامية، مراكز إسلامية، ذقون ولحى وسبحات، دور فتاوى إسلامية، وغيرها من مظاهر التواجد الإسلامى، التي تعلن لكل منْ يهمه الأمر: «بعض المسلمين موجودين في عقر دار الكفر»، «المسلمون قادمون لتأسيس الخلافة الإسلامية».

لا توجد ديانة في العالم غير الإسلام، يصلى أتباعها في الشوارع. ولا تحدث في العالم أي اغتيالات وتفجيرات، إلا من التنظيمات الإسلامية المسلحة، لها فروع في كل مكان. لم نسمع عن تفجيرات وتهديدات وإهدار الدم باسم تنظيمات يهودية أو مسيحية أو بوذية أو هندوسية. أتابع يوميا، العديد من برامج البث المباشر، يقدمها بعض المهتمين بتجديد الخطاب الدينى الإسلامى، ومناقشة كتب التراث الإسلامى. والشىء اللافت للدهشة، أن بعض المسلمين هناك هم الوحيدون الذين لا يردون الحجة بالحجة، ولا يناقشون موضوع البث، بل يصرخون ويتشنجون ويشتمون شتائم جنسية، يهددون صاحب البث باقتحام بيته أينما كان، وسينكحون كل نساء بيته أمام عينيه، ثم يقتلونه ويمثلون بجثته، ليكون عبرة. أصبحت بلاد أوروبا، بعد هجرة ولجوء المسلمين إليها بأعداد كبيرة، بالملايين، خائفة من تغير وضياع هوية أوطانها. فقد تحولت مساحات المد الإسلامى إلى خلايا نائمة، وأوكار للإرهاب، والتطرف للإسلام السياسى الجهادى، وقنابل موقوتة تنفجر هنا وهناك، مستهدفة نزع الحضارة الغربية من مكتسباتها التي ناضلت من أجلها طويلا، مثل إعلاء قيمة العقل، وحماية الحريات، وسيادة القانون، وقيم الحداثة والمواطنة، وبقاء الأديان بعيدا عن الفضاء العام. يصل اللاجئ أو المهاجر المسلم، مبديا الجانب الضعيف، المهزوم، المأزوم في وطنه، الذي دفعه إلى أن يخاطر بحياته ويركب مراكب الهجرة غير الشرعية، مفضلا الموت عن مواصلة العيش في بلد تخربه الحروب الدينية، والفقر والبطالة وضياع حقوق الإنسان. وعندما يحصل على العمل والمأوى، والإقامة، أو الجنسية، وتستقر أحواله كإنسان، له كل الحقوق والحريات، وكرم وحسن الضيافة، وهى نفسها مكتسبات الغرب التي يصفونها بالكفر والانحلال الأخلاقى، يبدأ الجانب المستتر للبعض منهم تحت الجلد في الظهور تدريجيا، ويصبح «ترسا» في الآلة الإسلامية الجهادية العالمية. وعلى رأى المثل الشهير: «أعلمه الرماية كل يوم فلما اشتد ساعده رمانى». وإذا كانت البلاد التي لجأ إليها المسلمون، هي بلاد الكفر، والانحلال الأخلاقى، وترك النساء بلا وصاية ذكورية، فلماذا أصلا اختاروها لإقامتهم؟؟. لماذا لم يبقوا في بلادهم التي يسود فيها الإسلام، والرقابة على النساء، والالتزام الأخلاقى بما يرضى الله؟. لماذا تركوا بلاد الجلابيب، والذقون، والحجاب، والنقاب، والعباءات والطُرح؟؟. لماذا يفضل عدد من المسلمين، مجتمعات تنظر إلى المستقبل، بينما هم لا ينظرون إلا للماضى؟؟. مجتمعات تؤمن بالعلم والحرية والقوانين الوضعية، والمواطنة العادلة، بينما هم لا يعترفون، بالعلم، والحرية، والعالمانية، والمواطنة دون تمييز؟. شىء غريب، أن يهاجروا إلى بلاد تمجد الحياة، وهم يمجدون الموت؟؟.

لماذا تلجأ تلك الفئة ولا تهاجر إلى إحدى دول الخليج الثرية، التي تعتنق الإسلام، وتتكلم اللغة العربية، والأقرب جغرافيا، وثقافيا، ولديها التراث الإسلامى نفسه؟؟. ولم نسمع عن مهاجرين أو لاجئين مسلمين، يذهبون مثلا إلى أفغانستان، حيث تطبق طالبان شرع الله؟.

يقول المنطق، إنهم إذا كان مثل هؤلاء قد فشلوا في استعادة الخلافة الإسلامية في بلاد لديها التراث الإسلامى نفسه، فكيف ينجحون في أوروبا؟؟. قال الداعية إسلامى الشهير، مشيرا إلى حشود من الأطفال الإناث، والفتيات والنساء المحجبات: «سوف نغزو ديار أوروبا الكافرة، المنحلة وننتصر عليهم بأرحام النساء». يستغلون خصوبة المرأة، للتكاثر إلى أقصى حد، ليصبحوا أغلبية، تنافس على الحكم. كيف يتركون غزو أوروبا، لنساء ناقصات العقل والدين؟. كيف يربطون انتصارهم بالمرأة المنزوعة من ضلع أعوج، سبب الخطيئة والشرور، النجسة والشيطانة، التي تحتاج إلى تكبيلها ومراقبتها وحبسها، حتى لا يعم الفساد في الأرض؟. لكنهم محقون. فالنساء عندهم للنكاح والِخلفة، في السِلم والحرب. ومن أين جاءت فكرة أن الغرب، «منحل أخلاقيا»؟. السبب هو أن البعض من المسلمين، يحصرون «الاستقامة الأخلاقية»، في شىء واحد هو عدم اختلاط الجنسين، وتقييد العلاقة الجنسية بين المرأة والرجل.

الدول الغربية، مثلما تؤمن بحرية الرأى، وحرية التعبير، وحرية الصحافة، وحرية الإبداع، وحرية الاعتقاد، تؤمن أيضا، وبالدرجة نفسها، بحرية الحب، وحرية العلاقات الجنسية، لأن الحرية تؤخذ كلها دون تجزئة. وكيف يمكن لمجتمعات «منحلة أخلاقيا»، أن تتقدم، وتكتشف، وتخترع، وتتفوق، وتنبغ، في كل المجالات؟. وكيف لها أن تحتل المراكز الأولى عالميا، في جودة الحياة، وازدهار الحريات وحقوق الإنسان والنساء والأطفال، والتعليم والصحة والثقافة والإبداع والبيئة، وسيادة القانون؟؟. في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، التي تتقاتل، وتسفك الدماء بسبب أديان موروثة، وتتضخم فيها المواعظ الدينية الأخلاقية، تحدث الانحرافات الجنسية، والانحلالات الأخلاقية، بشكل أكبر بكثير من حدوثها في الدول الغربية، التي ينعدم فيها الوعظ الدينى والأخلاقى. لكنها تحدث في الخفاء. نسمع عن بعض الشيوخ والدعاة ورجال الدين، تم افتضاحهم بمختلف الجرائم الجنسية، والذين كسبوا المليارات بالتجارة بالدين، ويصدعون أدمغتنا عن الفضيلة والالتزام الأخلاقى، وعدم تقليد الغرب الكافر.

البعض الآخر من هؤلاء المشايخ والدعاة، الذين يكفرون ويشتمون الغرب الكافر، يرسلون أولادهم إلى بلاد أوروبا للتعليم والدراسة والحياة الفاخرة المرفهة. وعندما يمرضون يسافرون إلى الغرب الكافر، لكى يعالجهم ويشفيهم من أمراضهم. ولا يسمعون كلام أشهر دعاتهم، الذي قال إن المسلم إذا مرض، لا يجب أن يسعى إلى الشفاء، لأن هذا يؤخر من لقائه بالرب. وهو يعنى أن المسلم يحب الحياة الدنيا الغرورة الفانية ويتشبث بها، في حين أنه لا بد أن يشتهى الحياة الآخرة الأبدية.

كان مثل هؤلاء لا يتوقفون عن دعوة الشباب الفقير المحروم المكبوت، للزهد في متاع الدنيا. ثم نكتشف أنهم يعيشون في قصور، ولديهم الأراضى والأطيان، على ذمتهم أربع نساء يغيروهن حسب المزاج، وأرصدتهم في البنوك بالمليارات داخل بلادهم وخارجها، ينفقون هم وأولادهم وبناتهم وزوجاتهم ببذخ، غارقين في متاع الدنيا. يدعون الشباب الفقير المغيب، إلى الموت في سبيل الله، داخل بلادهم أو خارجها، بينما هم وأولادهم، لا يموتون في سبيل الله، ولا أحد منهم لديه الاستعداد للتخلى عن رفاهية الحياة الآمنة، لينعم برضا الرب، والجنة الموعودة.

يهاجر المسلمون ويلجأون إلى أوروبا، بأسرهم وعائلاتهم، بكل إرثهم الإسلامى منذ 1445 سنة، ويصدرون لأوروبا والعالم طول الوقت أنهم ضحية الإسلاموفوبيا التي زادت بعد 11 سبتمبر، وتحريض اليمين على كراهيتهم وطردهم من بلاد أوروبا.

وكلنا يعرف كيف أن ميليشيات داعش، قد تنكرت في شكل المهاجرين اللاجئين. ونعرف أيضا أن الغالبية من ملايين المهاجرين واللاجئين إلى أوروبا، من الإسلام السُنى. إذا كان هدفهم الخلافة الإسلامية، وتطبيق شرع الله كما نُزّل في شبه الجزيرة العربية، فمن المفروض أن يهاجروا إلى أوروبا بالبغال والحمير والجمال، ولا يركبون الطائرات، ولا يأكلون إلا التمر، ويشربون ويتداوون ببول البعير، ويقاطعون الموبايلات والكمبيوتر، وكل شىء لم يعرفه البدو من 1445.

هل تدرك تلك الفئة من المهاجرين واللاجئين المسلمين، أنهم يأخذون رواتبهم وينعمون بالخدمات الكريمة، من أموال صناعة الخمور، ولحم الخنزير وبيوت الدعارة، وكل أنواع الفنون التي يحرمونها؟؟.

في بلاد أصبحت ومازالت فريسة للإسلام السياسى، لم يُقتل أحد، أو يهدد في بيته وأمانه، من قبل مفكرين وكُتاب، وموسيقيين، ومطربين وراقصات، ونساء يبعن أجسادهن، وناس تبيع وتشترى الخمور. بل كل التهديد والإزعاج وتنغيص الحياة، جاء من تنظيمات الإسلام الجهادى الطامع للحكم، ومن المشايخ المتحالفين معهم.

نسمع عن ما يُسمى «جرائم الشرف» التي يرتكبها بعض المسلمين المهاجرين واللاجئين إلى أوروبا. يقتلون ويذبحون بناتهم ونساءهم، بأشكال بشعة، لإثبات أن الهجرة إلى دار الكفر، لم تنسهم دينهم وإسلامهم وعاداتهم وتقاليدهم ورجولتهم، وشرفهم القابع حصريا في دم غشاء البكارة. الإسلام الجهادى، يهدر دم كل أعزل ينتقد الإسلام. على سبيل المثال:

في 2 نوفمبر 2004، اُغتيل المخرج الهولندى «ثيو فان جوخ»، في أمستردام، على يد شاب هولندى من أصول عربية إسلامية، وكان يتلقى التهديدات بتصفيته جسديا، لأنه انتقد الإسلام. وبعد أن أخرج فيلم «الخضوع» الذي يوضح على لسان نساء مسلمات، العنف الذي تتعرض له المرأة المسلمة من «جرائم الشرف»، وزواج القاصرات، وضرب الزوجات، تم تصفيته.

في 7 يناير 2015، تم اقتحام صحيفة شارلى إبدو، صباحا في باريس، حيث قُتل 12 شخصا، وأصيب 11. وقامت في فرنسا أكبر مسيرة في تاريخها «مسيرة الجمهورية» التي ضمت أكثر من 3 ملايين شخص، متزامنة مع مسيرات في مدن أوروبية أخرى، وضمت أيضا 50 شخصا من قادة العالم.

وبالطبع، كان للنساء نصيب من العنف، على أرضهن. فقد تعرضت مئات النساء للتحرش والاعتداءات الجنسية، في مدينة كولونيا بألمانيا، في ليلة رأس السنة 2015 / 2016. وفى 12 أغسطس 2022، تعرض الكاتب «سالمان رشدى» مؤلف رواية «آيات شيطانية»، للطعن مرات عديدة في نيويورك، على يد شاب وُلد في لبنان، وهاجرت أسرته إلى أمريكا. وكان الشاب من داعمى الجمهورية الإسلامية الشيعية في إيران، وينفذ فتوى أصدرها الخمينى منذ 33 سنة في 1989، بإهدار دم «سالمان رشدى». أعتقد أن الشعوب الأوروبية، تدفع ثمنا باهظا، لتعاون حكوماتها مع تيارات الإسلام السياسى الجهادى، وفتح أبواب الهجرة واللاجئين للمسلمين دون قيود. وتدفع أيضا ثمن تعاطف اليسار الأوروبى، مع الممارسات الإسلامية، للمهاجرين، حيث وجد فيهم البديل عن موالاته للطبقة العاملة الكادحة المقهورة، التي تكاد تختفى، أو اختفت الفعل، ويتعامل معها على أنها «الضحية» المظلومة، المضطهدة، من قبل الرأسمالية، «العدو الكلاسيكى»، ولكن في شكله المستحدث. ومن الطبيعى، أن تنشأ حركات مضادة تؤيد تقييد الهجرة، أو طرد المهاجرين واللاجئين المسلمين، حفاظا على هوية أوروبا، وضمانا ألا تذهب ثمراتها وخيرها إلى غير مواطنى أوروبا، مثل «وطنيون أوروبيون ضد أسلمة الغرب» أو بيجيدا، المؤسسة في دريسدن بألمانيا عام 2014، ولها مناصرون في كل أوروبا.

قال واحد من مشاهير الشيوخ: «إن الإنترنت سوف يخرج الكثير من المسلمين من الإسلام».

كيف يمكن أن نفهم هذه المقولة، مع الجهاد في سبيل الله، لأسلمة بلاد أوروبا؟؟.

خِتامه شِعر

لماذا تحبنى؟

لقد حرمت على قلبى العشق

وأطفأت سجائره

وبرئت أنا من أوهام الحب

وأسدلت ستائره

لماذا تحبنى؟

أنا المنحدرة من نسل ملعون

دمى خليط من الشك والجنون

لا أصبغ شَعر القصيدة

لا رجل يملأ عينى

لا أختلى إلا بشيطان الشِعر

وبين الأوطان شريدة

لماذا تحبنى؟

وأحزانى سرادق بلا عزاء

أقود مسرعة

بين الطرق الوعرة

لا أربط حزام الأمان

وأكسر الإشارات الحمراء

لماذا تحبنى؟

وأنا منذ ولدتنى أمى

أقف على رصيف الانتظار

بريبة يرمقنى الناس

لا سفينة في الأفق

ولا صفارة لقطار.
نقلا عن المصرى اليوم