محمد أبو الغار
الجزء الأكبر من كتاب طه حسين كان عن إصلاح التعليم في مصر، وقال فيه إن الأمم التي لا تهتم بالتعليم ليس لها مستقبل. واستطرد قائلًا: ليس معنى ذلك أننى أكره أن يبذل الأفراد والجماعات ما يستطيعون من الجهد لإنشاء ما يمكن إنشاؤه من أنواع التعليم، بل معناه أن تطور مصر يقضى بأن تؤخذ أمور التعليم كلها بالجد والحزم، وأن يكون تنظيمها دقيقًا، والإشراف عليها قويًّا. وحيث إن أكثرية المصريين لا تزال جاهلة جهلًا مطلقًا، فلابد أن تقوم الدولة بتعليمها، وذلك على النحو الملائم لأصول الديمقراطية وغاياتها. ويقول: إن الدولة وحدها التي تستطيع أن تصنع المناهج والبرامج، وأن تقوم على تنفيذها بدقة شديدة، والقلة من المتعلمين (20% في عام 1938) قد خضعت لألوان مختلفة من التعليم ومناهج وبرامج، ونشأ عن ذلك اضطراب له آثاره الخطيرة في حياتنا المصرية، فهناك التعليم الرسمى المدنى، الذي تقوم به الدولة، وهو تعليم متواضع، وهناك التعليم الأجنبى، الذي قام مستظلًّا بالامتيازات الأجنبية، غير حافل بالدولة، ولا خاضع لسلطانها، ومعنىٌّ فقط بنشر ثقافة البلاد التي جاء منها. وتَكَوّن تلاميذ مصريون على نحو أجنبى خالص، وكل أنواع هذا التعليم لا تفكر في مصر، ولا تحفل بها. ويكون التعليم الأجنبى في جملته أنفع وأغنى من التعليم المصرى الرسمى، فيدفع المصريون إليه أبناءهم عن رضا واختيار، وينتج عن ذلك أن الشباب الذين يتخرجون في هذه المعاهد الأجنبية مهما يكون حبهم لمصر وإيثارهم لها، فإنهم يفكرون على نحو يخالف النحو الذي يفكر عليه الذين يتخرجون في المعاهد المصرية. وهناك التعليم المصرى الحر الذي يمضى كما يريد. وقد انتشر هذا التعليم انتشارًا شديدًا حين عجزت مدارس الدولة عن أن تُرضى حاجة الناس. وهناك تعليم آخر تشرف عليه الدولة، ولا تشرف عليه، وهو التعليم الدينى الأزهرى، وهو نظام لا يكاد يخضع لرقابة الدولة، وإن كانت صفته الدينية تحميه من تدخل السلطة المدنية، وهو تعليم بحكم بيئته محافظ ومُحمَّل بأثقال القرون الوسطى. نحن لن نكون مطمئنين أن المعاهد الأجنبية تثبت في قلوب أبنائنا حب الوطن المصرى وحماية الديمقراطية المصرية، ولست أدعو إلى إغلاق هذه المعاهد، فنحن في أشد الحاجة إليها، وهى متفوقة على مدارسنا، ولكن علينا أن نراقب هذه المدارس بحيث نرى ما إذا كان التعليم فيها ملائمًا للحقوق المصرية، فيجب أن نفرض عليها تعليم اللغة العربية تعليمًا جادًّا وأيضًا التاريخ المصرى القومى ضرورة في هذه المدارس.

هناك مقدار من التعليم العام يجب أن يكون مشتركًا بين المدارس المصرية والأجنبية والتعليم الأزهرى، وهو يقول ضرورة ألّا يكون الأزهر دولة داخل الدولة، وأن تكون الجامعة مستقلة تمامًا علميًّا، وبقدر معقول في الاستقلال الإدارى والمالى.

يقول طه حسين إنه استمع في الراديو إلى شيخ أزهرى يتحدث للمسلمين قائلًا إن محور القومية هو القبلة المطهرة، ويقول إن شباب الأزهر يجب أن يتعلموا في الصغر أن محور الوطنية لا تحدده الجغرافية الضيقة لأرض الوطن. ويؤكد طه حسين أن التعليم الأولى الأساسى هو واجب الدولة، ويجب أن يحتوى على التربية البدنية، ويطالب بالعناية بالمعلم وتدريبه ومكافأته.

والتعليم الأولى أهم وأعم من تعليم القراءة والكتابة والحساب، ولذا وجب أن يكون المعلم دارسًا دراسة كافية وعلى علم بتاريخ وجغرافية مصر، ويجب أن يتقاضى راتبًا معقولًا ليعيش حياة كريمة. ويركز طه حسين على أهمية التعليم الفنى.

ويقول طه حسين إن كل تقصير في التعليم تتورط فيه الدولة عن عمد أو اضطرار يُعرضها لأثقل اللوم وأشده، ويُحملها إثم التفريط في حق الديمقراطية وحق الشعب، ويُعرضها لما يترتب على سخط الشعب من فساد الأمن والثورات الاجتماعية، التي إن عُرف كيف تبدأ فليس يُعرف كيف تنتهى ولا عند أي حد تقف.

وقال إن كثرة التلاميذ في الفصل خطر عظيم على صلاح التعليم، وإن التعليم ليس ترفًا، وإنما هو حاجة من حاجات الحياة وضرورة من ضرورياتها.

وبالرغم من معرفة طه حسين جيدًا بحجم تكاليف التعليم الثانوى المجانى بشرط الحفاظ على جودته، فإنه أصر على المساواة في الفرص، وإذا كانت الأماكن ليست كافية لمَن يرغب في التعليم الثانوى فالقبول في التعليم الثانوى للأفضل وليس للأغنى، وذلك كان شرطه لتولى منصب وزير المعارف في عام 1950.

وعن تعليم اللغات الأجنبية، رأى طه حسين ألا تُدرس في المرحلة الابتدائية حتى يتفرغ التلميذ لإجادة اللغة العربية، ويتحدث عن أهمية البعثات إلى الخارج وأهمية دراسة اللغات اليونانية واللاتينية لبعض الطلاب في بعض المدارس، ويهتم بطريقة تعلم اللغة العربية، وضرورة التخفيف من قواعد النحو على الطلاب.

وعن الجامعة، تحدث طه حسين بأن الجامعة بيئة لا يتكون فيها العالِم وحده، وإنما يتكون فيها الرجل المثقف المتحضر، الذي لا يكفيه أن يكون متحضرًا، بل يعنيه أن يكون منتميًا إلى الحضارة، فإذا قصرت الجامعة في تحقيق ذلك، فهى ليست خليقة بأن تكون جامعة، وإنما مدرسة متواضعة. واعترف صراحة بأن معظم الخريجين ثقافتهم سطحية ضيقة. ويقول إن الجامعة لا تستطيع أن تنهض بعبء التعليم إلا باستقلالها، وقد قررته قوانينها، وتسجله الحكومات المختلفة، ولكن الحياة الواقعة تدل على أن هذا الاستقلال لا يزال متواضعًا. والاستقلال يشمل أمرين، الاستقلال بميزانية يقرها البرلمان، والاستقلال بشؤون التعليم والعلم استقلالًا تامًّا، والحق كذلك أن الرأى العام في مصر قد قاوم السلطان، وأن الاعتداء على استقلال الجامعة هو مصدر فساد عظيم وشر مستطير.

وفى الفصول الأخيرة من الكتاب، يطالب بإصلاح التعليم في الأزهر، وكذلك في الكنيسة، التي عليها أن تقدم للأقباط ثقافة تلائم حاجاتهم الحديثة، وأن هناك فجوة في الثقافة بين عموم الأساقفة وعموم الأقباط، وخاصة المثقفين منهم. ويتحدث عن أهمية الثقافة والمثقفين في رفعة المجتمع، والأهمية البالغة للترجمة من كافة اللغات.

الكتاب في مجمله يبحث عن طريق الحداثة للمصريين، والتى ثبت أنها العنصر الأساسى في التقدم والابتكار.

قوم يا مصرى.. مصر دايمًا بتناديك.
نقلا عن المصرى اليوم