سحر الجعارة
مشهد غريب جداً ومقزّز تراه على موقع «تيك توك»، وهو لفتاة مصرية ترفع لوحة مكتوباً عليها: «عايزة آيفون 14».. ثم تبدأ حملة التبرّعات السفيهة وموجة الغضب والتريقة والتطاول أيضاً فى بث مباشر.. لكنها تعتبره «تسولاً مشروعاً»!
لم أكن أود التوقف عند هذا البث المباشر، لكنه تكرر أكثر من مرة، وهو -من وجهة نظرى- قمة الإساءة إلى سمعة المصريين، خاصة بعد أن اكتشفت أنه متكرّر لعشرات المرات.. وكان «تيك توك» قد حظى بقضايا جنائية متكرّرة وصلت إلى معاقبة بعض الفتيات بتهمة «الاتجار بالبشر».. وكنت من أوائل من دافعوا عن حق البنات فى «الحرية» وإن تمايلن أو تراقصن، كأسلوب تعبير للبنات عن أنفسهن ببراءة وأداء تلقائى مبهر يسعدنى ولم أجد فيه -ولازلت- أى مشكلة.
المفترض أن السوشيال ميديا (التى تُزعجنا) هى منصات حرة فى العالم الافتراضى، ومعظمها لا تخضع للرقابة القانونية فى مصر، باعتبارها منصات أجنبية، بالضرورة لا بد أن تكون السوشيال ميديا «هايد بارك»، لكنها تحولت إلى ساحة صراع احتلت معظم منصاتها اللجان الإلكترونية للإخوان، وانتشر التناحر الطائفى، وأخيراً بدأ «مولد تسول»... حتى إن كنا نتباهى بقوة السوشيال ميديا فى تصحيح بعض الأمور على أرض الواقع.
لم تبدأ حالة التسول الافتراضى من عندنا، نحن مجرد مُقلد، لأناس تعيش فى الخيم وتعانى ويلات الحرب.. وقد رصد أحد المواقع الإخبارية أن عملاق التواصل الاجتماعى «تيك توك» يحصل على ما يصل إلى 70% من التبرّعات المقدّمة عبر تطبيقه، إلى مئات الأسر المشرّدة التى تعيش فى المخيمات (فى دولة عربية عانت حرباً أهلية).
ففى كل يوم، كانت (م. ع) وبناتها الست، فى بث مباشر على «تيك توك»، يتسولن المشاهدين لمنحهن هدايا افتراضية. تجلس الأسرة على أرض خيمتها لساعات، تكرّر العبارات الإنجليزية القليلة التى تعرفها: «إعجاب رجاءً، مشاركة رجاءً، هدية رجاءً».
قُتل زوج (م) فى غارة جوية. وبسبب قلة فرص العمل فى المخيمات، لجأت إلى بث «تيك توك» المباشر للحصول على مال لإجراء عملية جراحية لابنتها الضريرة.
صحيح أن الهدايا التى يطلبونها افتراضية، ولكنها تكلف أموالاً حقيقية ويمكن سحبها نقداً من التطبيق... وهنا يجب أن نحذّر وندق ناقوس الخطر حتى لا يتحول الموقع إلى أداة تحويل أموال لكيانات تُهدّد استقرار البلاد.. فالوسيلة تُقلق، فيمكن لمستخدمى البث المباشر إرسال هدايا يُرمز إليها برسوم، كمكافأة لصانعى المحتوى. وتتنوع هذه الهدايا بين ورود رقمية بقيمة بضعة سنتات، وأسود وأكوان افتراضية تصل قيمتها إلى 500 دولار!
قد أعذر امرأة تستغل أطفالها فى التسول، لأنها تعيش فى خيمة أو تحتاج إلى علاجها، وهى فى النهاية لا تسىء إلى بلدى.. لكن بنت تافهة تسعى للحصول على «غنيمة» فى هيئة موبايل آيفون، لتبيعه أو تستثمره لا بد أن تحاسب.
أزعم أن السوشيال ميديا جدّدت دماء الحياة الاجتماعية والسياسية وأصبحت جسراً ذهبياً للتواصل بين نجوم الفن والصحافة والرياضة والسياسة.. إلخ، وبين جمهورهم.. وهو ما يحتاج منا لأن نقف دائماً لنصحح مسيرتها.
نقلا عن الوطن