كريم كمال
غريبًا عشت في الدنيا نزيلًا مثل أبائي
غريبًا في أساليبي وأفكارى وأهوائي
غريبًا لم أجد سمعًا أفرغ فيه آرائي
يحار الناس في ألفي ولا يدرون ما بائي
يموج القوم في مرح وفي صخب وضوضاء
غريبًا لم أجد بيتًا ولا ركن لإيوائي
تركت مفاتن الدنيا ولم أحفل بناديها
ورحت أجر ترحالي بعيدًا عن ملاهيها
خلىَ القلبِ لا أهفو لشئ من أمانيها
نزيه السمع لا أصغي إلى ضوضاء أهاليها
بقيثارى ومزماري وألحان أغانيها
وساعات مقدسة خلوت بخالقي فيها
أسير كأنني شبح يموج لمثله الرائي
غريبًا عشت في الدنيا نزيلًا مثل
ابائي.
قال البابا شنوده عن هذه القصيدة
كتبت معظم هذه الأبيات من سنة 1946 ولم تكتمل بعد وكان كاتبها يوجد أن تبقى حتى تكتمل ولكن لا بأس من أن تكملها أنت يا أخي القارئ إن أحبت نعمة الرب.
لقد ترك قداسة البابا شنوده القصيدة للقاري لكي يكملها وبالمثل ترك لنا تعاليم ومبادي نحن لا نكملها ولكن نسلمها مثل ما تسلمنها من قداسته وان كانت هذة القصيدة تعبر عن فكر هذا الرجل العظيم الذي كان زاهد في كل متاع الدنيا وناسك إلى ابعد الحدود فان تعاليم قداستة تعبر عن الفكر الصحيح والقويم لتعاليم الكنيسة القبطية الارثوذكسية حيث نجد تعاليم البابا شنوده هي تعاليم الاباء الكبار والاولين فلا فرق بين تعاليم البابا اثناسيوس الرسولي أو البابا كيرلس عمود الدين أو الانبا باخوميوس اب الشركة أو الانبا شنوده رئيس المتوحدين وبين تعاليم البابا شنوده الثالث سواء في المسائل اللاهوتية أو العقائدية أو الطقسية أو في حياة الزهد والتقشف وارساء القواعد الرهبنية لذلك البابا شنوده الثالث هو امتداد لكل هولاء مع ميزات شخصية تميز بيها قداستة جعلت فكره يصل إلى ابناء الكنيسة بسهولة ويسر.
وسوف اعرض في هذا المقال بعض السمات التي جعلت من البابا شنوده الثالث قائد ديني مؤثر ليس علي المستوي الكنسي أو المحلي فقط بل العالمي ايضا حيث صنف البابا شنوده بانة من اكثر القادة تأثيرا في العالم في حياته وبعد ان رحل واستمرار تاثير شخص بعد الرحيل لم يحدث الا مرات قليلة في التاريخ.
سمات البابا شنوده التي جعلت من قداستة قائد ديني مؤثر:
١- اكاديمي:
درس في الكلية الاكليريكية وتعمق في الدراسة وكان الأول علي دفعتة حيث تخرج منها بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف في دوره سبتمبر عام ١٩٤٩م وقد تتلمذ في الكلية الاكليركية علي يد مديرها الارشيدياكون حبيب جرجس العالم والمعلم الكبير حيث تعلم الشاب نظير جيد (البابا شنوده) الكثير علي يد هذا المعلم الكبير ومن اهم هذة التعاليم هي المنهجية والاهتمام بالعمل الاكاديمي وقد ظهر ذلك بوضوح بعد وضع اليد الرسولية للقديس البابا كيرلس السادس علي الراهب انطونيوس السرياني ليصبح الانبا شنوده اسقف عام التعليم والمعاهد الدينية والتربية الكنسية فهتم نيافتة بالتعليم وبالكلية الاكليريكية واستمر هذا الاهتمام بعد ان جلس علي السده المرقسية فانشا فروع لها في كل محافظات مصر وفي بلاد المهجر وبضمير مستريح اقول وجود الانبا شنوده اسقفا للتعليم ثم بابا وبطريرك حمي الكنيسة القبطية من فقد هويتها في العصر الحديث.
٢- معلم:
يتميز البابا شنوده الثالث بأنة معلم ارثوذكسي لا غش فية يعلم تعاليم الاباء الاولين بدقة وباسلوب سهل يصل إلى قلب وعقل المستمع ولكن بجانب السهولة غزارة المعلومات والدقة والامانة في التعليم.
٣- الكاروز:
القديس مار مرقس الرسول كان كاروز الديار المصرية وخليفته ال ١١٧ في سلسلة البطاركة الجالسين علي الكرسي المرقسي السكندري البابا شنوده الثالث كان كاروز في افريقيا واوروبا والامريكتين وأسيا فقد انشاء كنائس واديرة وكليات الاكليريكية في كل قارات العالم فحول الكنيسة القبطية الارثوذكسية من كنيسة محلية إلى كنيسة عالمية لها تاثير في جميع دول العالم فستحق عن جدارة واستحقاق لقب الكاروز الجديد.
٤- حامي للايمان:
كما دافع اثناسيوس علي الايمان القويم فأيضا إذا لم يتواجد البابا شنوده لكنت البدع والهرطقات هي السائدة والامر العجيب إنه مازال يدافع بعد رحيله من خلال الاف العظات والكتب التي تركها بجانب تعاليمه لاجيال واجيال علي مدي اكثر من نصف قرن كأسقف للتعليم ثم بطريرك لذلك اطلق علية الشعب القبطي اثناسيوس الجديد.
٥- :صانع النهضة الرهبنية:
كما اطلق الشعب علي البابا شنوده لقب اثناسيوس الجديد اطلق ايضا علي قداستة لقب انطونيوس الجديد حيث اعاد قداستة احياء الحياة الرهبنية بعد ان كادت تندثر فعمر وانشاء الاديرة في مصر وبلاد المهجر.
٦- البابا الراهب:
قد يكون البابا شنوده الثالث هو البطريرك الوحيد الذي كان يقضي نصف الاسبوع في الدير ويعيش كراهب زاهد في اسلوب المعيشة وفي الماكل ومن يعرف البابا شنوده عن قرب يدرك انة كان زاهد إلى اقصي الحدود ... عندما كان قداسة البابا شنودة يتذكر ايام وحدتة كان يتكلم كعاشق للرهبنة انهارت احلامة على صخور الاسقفية والبابوية فكتب يوما إلى احدهم رسالة بعد رسامتة اسقفا كتب فيها بيتا من الشعر يعبر عن اسى حزنة لتركه حياة المغارة فكتب
هذة احلامى وقد انسيتها
هذة امالى وقد ضيعتها
٧- الصادق:
من اهم سمات البابا شنوده الصدق فقد كان لا يتلون ولا يتغير ولا ينافق ولا يكذب ولا يهادن وصاحب وجه واحد حينما يتعارض اي امر مع مصلحة الكنيسة أو الشعب لذلك كان ومازال ساكن في القلوب.
٨- وطني حتي النخاع:
حينما قال قداسته مصر وطن يعيش فينا وليس وطن نعيش فية فلم تكون مجرد مقولة أو شعار ولكن كانت اسلوب حياة ومنهجية يؤمن بيها قداستة فكان بدافع عن الوطن في جميع المحافل الدولية بجانب انة كان صمام امان ضد الفتن وعلي الرغم من حدوث العديد من الحوادث الطائفية في عهد قداستة بدأ من احداث الزاوية الحمراء ومرورا بحادث الكشح وانتهاء بحادث كنيسة القديسين في الاسكندرية وبينهم العديد من الحوادث فقد كان دائمًا يعلي مصلحة الوطن دون تفريط في حق شعبة وايضا نتذكر هنا دور قداستة الوطني خلال حرب اكتوبر فقد كان اول بابا يزور الجبهة قبل وبعد الحرب وايضا المستشفيات العسكرية لمساندة رجال القوات المسلحة.
٩- الاب:
قد تكون اهم سمه تميز بيها قداسته انة اب بكل ما تعني الكلمة بعطف علي المسكين ويعطي بسخاء كل من يطلب ويستمع لكل من يريد الحديث معه بأبوة صادقة لذلك لم يكون لقب البابا لقب ديني فقد بالنسبة لقداستة ولكن كان اب حقيقي لكل الشعب القبطي بل المصري يراء فية صورة الاب علي ارض الواقع لذلك كان احساس الشعب يوم رحيل قداستة إنه تيتم.
١٠- كاريزما وحضور طاغي
من السمات المهمة لقداستة الحضور الطاغي والكاريزما ومن وجهة نظري لمعرفتي عن قرب بقداستة ان سببها بعد منحها لقداستة من الله هو الصدق الشديد لذلك كان تاثير قداستة يفوق كل الحدود ومازال هذا التاثير مستمر بعد الرحيل فهو. البابا الوحيد في تاريخ الكنيسة الذي يحتفل الشعب بعبد ميلاده ورهبنته واسقفيته وجلوسة بعد الرحيل بنفس الحفاوة التي كان يحتفل بيها الشعب في حياتة وربما اكثر وهي ظاهرة تحتاج ألي دراسة
فحينما يعظ أو يصلي قداس أو يزور مكان يتجمع الالاف لسماع ورؤية قداستة وامتد هذا التاثير علي المستوي العربي لايمان قداستة بالقضية الفلسطينة ورفضة زيارة القدس الا بعد تحريرها فطلق علية العرب لفب بابا العرب وامتد هذا التاثير علي المستوي الدولي فقد كان يتسابق زعماء العالم لمعرفة راي قداستة في اي قضية أو حدث علي المستوي المحلي أو الاقليمي أو الدولة.
١١- الامانة:
كان البابا شنوده امين إلى اقصي الحدود في كل ما بخرج من فمه من تعليم وآراء ومواقف علي المستوي الكنسي والوطني وهي من الاسباب الاساسية في جلوس قداستة متربع علي القلوب.
١٣- القديس:
لم تكون القداسة لقب بحكم منصبة الديني ولكن كانت اسلوب حياة فقد كان يعيش البابا شنوده القداسه ويتعامل مع الناس بقداسه لذلك كانت كل أعماله مقدسة ومباركة وكانت فيها مساندة من الله واضحة سواء في المواقف القاسية التي تعرض لها وابرازها احداث ١٩٨١م أو في كل عمل كان يقوم به لذلك اطلق علية الشعب لقب قدس العصر وهو بالفعل قديس لان كل اعماله وتعاليمه كانت مقدسة حتي التعامل مع الشعب فقد كان تعامل مقدس سماته الحنية والبشاشه وسعه الصدر والاستجابه والعمل علي حل اي مشكلة يوجها فرد من افراد الشعب مهما كانت صعبة بجانب سهولة الوصول لقداستة رغم المسؤليات الكبيرة والامراض الكثيرة التي كان يتحملها بايمان وانا اتذكر في مواقف كثيرا كنا نحن الصغار في السن نشعر بالتعب الشديد ونحن نقف بجانب قداستة وهو يسلم ويستمع ويصلي لافراد الشعب بالساعات قبل ان يدخل إلى العظة رغم انة كان تخطي العقد الثامن من عمره في ذلك الوقت وايضا يقوم بعمل جلسات غسيل كلوي يوميا ورغم ذلك كان يعمل بقدرة ونشاط شاب في العقد الثاني من عمره وهذة منحة من الله منحها لقداستة.
الحديث عن قامة دينية ووطنية بحجم وتاريخ قداسة البابا شنوده الثالث لا يكفيها مثل هذا المقال بل تحتاج إلى مئات الكتب والمجلدات فالبابا سنوده من القلائل في تاريخ البشرية من شارك في صناعة التاريخ حيث كثير من القاده والزعماء والاشخاص كتب عنهم التاريخ ولكن القليل من شارك في صناعة تاريخ كنيسة كبيرة بحجم الكنيسة القبطية الارثوذكسية ووطن عظيم بحجم مصر في مرحلة من اهم واخطر المراحل في التاريخ الحديث مثل قداستة.
اخيرا ونحن نحتفل بمرور ١٠٠ عام علي ميلاد قداسة البابا شنوده الثالث نتذكر بكل فخر اعماله الخالده في الكنيسة والوطن لذلك مازل قداستة عايش في قلوبنا وعقولنا وسوف يعيش من جيل إلى جيل لان من يزرع يحصد وقداستة زوع فينا الايمان القويم وحب الوطن لذلك سوف أظل فخورا اني عشت في زمن هذا العملاق … زمن القديس البابا شنوده الثالث.
نقلا عن الفجر