د. وسيم السيسي
أنا لويس باستير، وُلدت في فرنسا ١٨٢٢م، ورحلت عن عالمكم ١٨٩٥م عن عمر ٧٣ عامًا بجلطات في المخ، حصلت على درجة جامعية في الآداب والفنون ١٨٤٠م، ودرجة جامعية في العلوم ١٨٤٢، والدكتوراه ١٨٤٧، وأصبحت أستاذًا ١٨٤٨، ثم تزوجت ابنة رئيس الجامعة ١٨٤٩، وأنجبت خمسة أطفال، مات منهم ثلاثة بحمى التيفود.
كنت أعجب من فساد المواد الغذائية، خاصة اللبن والنبيذ. استطعت من خلال الميكروسكوبات البدائية أن أكتشف كائنات دقيقة هي سبب فساد هذه المواد الغذائية، كما أعلنت أن هذه الجراثيم هي سبب الأمراض مثل الجمرة الخبيثة والكوليرا ومرض الكلب أو داء سعار الكلب. فكرت في قتل هذه الجراثيم بالتسخين، فماتت الجراثيم ولم يفسد اللبن، ودخلت كلمة البسترة إلى القاموس الطبى، وهى مشتقة من اسمى: باستير.
كان الدجاج يموت بكوليرا الدجاج، فكرت في التطعيم، وحقنت مجموعة من الدجاج بصحة جيدة بجراثيم الكوليرا بكميات ضئيلة، تأثرت قليلًا، ولكنها اكتسبت مناعة ضد المرض. أطلقت على هذه الطريقة «فاكسينسيا»، التي جاءت منها كلمة «فاكسين»، أي التطعيم أو اللقاحات.
تقدمت سنة ١٨٧٨ ببحث عن قتل البكتيريا بالتسخين، وحماية الدجاج باللقاحات، وأن الأمراض سببها هذه الكائنات الدقيقة التي أطلقت عليها اسم الجراثيم، لذا يسمينى العلماء في عصركم هذا: أبوعلم الجراثيم، قامت الدنيا ولم تقعد، كان العالم يؤمن بنظرية: «الميازما»، وهى كلمة يونانية معناها: التلوث، وأن هذا التلوث يؤدى إلى العفن والهواء الفاسد الذي يؤدى إلى الأمراض، لذا تجدون كلمة ملاريا معناها الهواء الفاسد: MAL-AIR. هاجمنى جورج برناردشو بشدة، بل سخر منى قائلًا: الأمراض تهاجم الإنسان أولًا، ومن المرض تتولد الجراثيم!!.
كنت أعرف أن الجديد يمر بثلاث مراحل: ١- هذا هراء. ٢- محتمل أن يكون صوابًا. ٣- حين تتأكد صحة الجديد، يقولون: إحنا عارفين كده من زمان!.
تذكروا هذه السنة جيدًا ١٨٨٥، طفل ٩ سنوات، عضَّه كلب مسعور، كان الطفل سيموت لا محالة، حقنته بفاكسين مضاد لسعار داء الكلب، عاش الطفل، اهتز العالم شرقًا وغربًا، جمعوا تبرعات من جميع أنحاء العالم لبناء معهد على اسمى. معهد باستير في باريس، وكان افتتاح هذا المعهد العظيم ١٨٨٨م.
سار على منهجى روبرت كوخ، الذي كان يصغرنى بواحد وعشرين عامًا «١٨٤٣- ١٩١٠»، واكتشف ميكروب الدرن، ونال جائزة نوبل.
أُصبت بالرعب من الجراثيم، حتى إننى كنت لا أصافح أحدًا، حتى الملوك، خوفًا من العدوى، مما سبب لى مضايقات كثيرة. أخيرًا أقول لكم إن الفنون لابد أن تكون مصاحبة للعلوم، فقد كنت رسامًا، تجدون في متحفى لوحات «بورتريه» لأفراد أسرتى وأصدقائى، الفنون تجعل العالِم يبدع ويأتى بالجديد.
وافتنى المنية ١٨٩٥، وتم دفنى في كاتدرائية نوتردام، ثم نقلوا رفاتى إلى معهد باستير في باريس.
أشكر الله أنى تركت العالم والناس راضية عنى، ودائمًا أذكر كلمات شاعركم المحبوب أحمد بك شوقى:
الناس صنفان موتى في حياتهم/ وآخرون ببطن الأرض أحياء.
نقلا عن المصرى اليوم