فتحية الدخاخني
« الزواج به'>قتلها لأنها رفضت الزواج به»، «نيرة أشرف جديدة»، وغيرها من العناوين التى ملأت الفضاء الإعلامى على مدار اليومين الماضيين، مُذكِّرة بواقعة قتل الطالبة نيرة أشرف على يد زميلها محمد عادل أمام جامعة المنصورة الصيف الماضى، ذلك الحادث الذى أثار موجات متتالية من الجدل والغضب لبشاعته ولما يحمله من مدلولات ثقافية واجتماعية على تغير طبيعة المجتمع المعيش.

منذ تلك الواقعة تطالعنا بين الحين والآخر وقائع مماثلة، ويوم الخميس الماضى تعرضت سيدة عشرينية من المنوفية للقتل فى الشارع، على يد شاب أربعينى بسبب رفضها الزواج به، لتجتر الجريمة معها ذكرى «نيرة» وكأن جريمة قتلها باتت نموذجًا يُحتذى، وكأن القتل بات عقابًا على رفض الزواج فى مجتمع اعتاد ذكوره ثقافة «حاضر يا سى السيد»، فلم يعد ممكنًا لهم قبول كلمة لا أيًّا كان سببها أو قائلها، فالذكر هنا يعتبر نفسه سيدًا واجب الطاعة.

تلك الحوادث ليست مرتبطة فقط بعلاقة الرجل بالمرأة، وبالثقافة الذكورية المستفحلة فى المجتمع، لكن الأمر يمتد إلى ثقافة سائدة لا تعرف متى تقول لا، ولا كيف يكون ذلك، وفى المقابل لا تقبل بالرفض أو الاعتراض أو حتى الاختلاف فى الرأى، ثقافة زُرعت فى المجتمع على مدى أجيال طويلة عوّدتهم السمع والطاعة وتنفيذ الأوامر دون نقاش، وجعلت الرفض والاختلاف مرادفًا للعداء الذى يستوجب الدخول فى حالة صراع تصل حد القتل والتخوين.

هذه الثقافة نربى عليها أبناءنا دون أن نقصد، فنعلمهم قبول أوامرنا دون نقاش باعتبارنا أكثر علمًا وخبرة منهم، وفى المقابل أيضًا لا نسمح لهم بقول لا، وإن قالوها فهى مرفوضة، ليس لها معنى سوى العقوق الذى يستوجب العقاب، وبالتبعية تستمر تغذية تلك الثقافة فى المدرسة والمجتمع، عبر سلسلة من الأوامر على الطفل تنفيذها دون جدل أو نقاش، وبالطبع دون أن يُبدى اعتراضًا.

وبالتزامن مع ذلك يغذى ذكور المجتمع بفكر الأفضلية على إناثه، فإذا كان الرفض والاعتراض مرفوضًا فى مجمله، فهو بالأولى مرفوض من تلك الأنثى ناقصة العقل والدين، والتى تستحق القتل إن قالت لا!. يتم تجريمها مجتمعيًّا إن تعرضت لتحرش أو اغتصاب من ذلك الذكر، فهى المُلامة دائمًا والسبب فى أى جريمة تتعرض لها، حتى إن كانت طفلة لا حول لها ولا قوة، وهو ما يظهر بوضوح من خلال حملات الدفاع عن المجرمين. رأينا ذلك فى الدعوات المناصرة لقاتل نيرة أشرف، وحتى فى الدفاع عن المتحرش بطفلة فى المعادى، وكلها بدعوى مراعاة أسر الجناة (الذكور)، والرأفة بحالهم.

هذه الثقافة المتأصلة لا يمكن علاجها بمقال هنا، أو ندوة هناك، فهى أكثر رسوخًا من أن تُحركها كلمات أو حتى قوانين عقابية، فإعدام قاتل «نيرة» لم يمنع تكرار الجريمة. المسألة تحتاج إلى سنوات من إعادة التربية، على أسس مختلفة تُعلمنا تقدير الآخر، وقبول الرفض واحترامه، والأهم تُعلمنا أن نقول لا.
نقلا عن المصرى اليوم