د.أحمد الخميسي 

أتم حفيدي ثلاث سنوات، وأثناء الاحتفال بعيد ميلاده سألتني هانيا ابنتي، والدته : بابا .. ماذا أقرا له من الأدب؟. أول ما خطر في بالي على الفور اسم هانز كريستيان أندرسن الذي حلت ذكرى رحيله المئة والثامنة والأربعين في 4 أغسطس، صاحب الحكايات العبقرية " جندي الصفيح"، و" ملكة الثلج" وغيرها. هتفت باسمه: أندرسن.
 
مطت ابنتي شفتيها بضجر قائلة : نعم. ومن فرنسا أعرف شارل بيرو الذي قدم أشهر الحكايات مثل " سندريلا "، و" ذات الرداء الأحمر" وغيرهما. وبالطبع هناك أسماء لامعة من روسيا مثل " صموئيل مارشاك "، والكاتبة المدهشة " أجنيا بارتو ".. ولا ينسى أحد الكاتب الانجليزي " لويس كارول" ورائعته " آليس في بلاد العجائب" التي صدرت في 1865. هذا كله جميل، لكني أسألك : ماذا اقرأ له من الأدب العربي؟ المصري؟ .
 
تحيرت لحظة أمامها وارتج علي. العلماء يقسمون الأطفال عادة إلى ثلاث مراحل عمرية، الأولى حتى السادسة من عمر الطفل، ثم من السادسة حتى الثانية عشرة، وأخيرا إلى ما قبل الثامنة عشرة. ماذا لدينا لنقرأه على أطفالنا وهم دون السادسة؟ أي في المرحلة الدقيقة التي يتشكل فيها الوجدان مرة وإلى الأبد؟.
 
عبرت أمامي رحلة أدب الطفل في بلادنا والتي بدأها رفاعة الطهطاوي حين ترجم وأدخل قراءة القصص منهاجا في التعليم المصري، وبعث برسائل إلى " سلحدار باشا" وكيل الحكومة المصرية المقيم في لندن يطالبه فيها بأن يرسل إليه كتبا مطبوعة ومؤلفات للصغار بحيث " تميل أذهانهم إليها". لكنها البداية التي خيمت عليها العتمة حتى ظهر أحمد شوقي، وهو أول من ألف القصص الشعرية للأطفال، ووضعها في ديوانه " الشوقيات" تحت عنوان " الشوقيات الصغيرة"، واستفاد شوقي في تجربته من حكايات لافونتين ذائعة الصيت، وقد أقر بذلك فكتب يقول : " وجربت خاطري في نظم الحكايات على أسلوب لافونتين الشهير". لكن هل مازالت قصائد شوقي تصلح لأطفال اليوم الذين تطوقهم أدوات التطور العلمي في عصر مختلف تماما؟ .
 
برز بعد ذلك بعقود الكاتب المرموق كامل الكيلاني، الذي نال عن حق لقب " رائد أدب الطفل " لأنه تفرغ لذلك وعكف عليه فترك إرثا كبيرا، إذ كتب وترجم نحو ألف قصة ، نشر منها في حياته مئتي قصة، وقام أبناؤه بعد ذلك بنشر خمسين أخرى. أيضا كان الكيلاني أول من خاطب الأطفال عبر الإذاعة فاستمعوا إلى حكاياته المستلهمة من التراث العربي " شهرزاد"، و" مصباح علاء الدين" وغيرها. ولم يظهر بعد ذلك بمدة سوى يعقوب الشاروني ، وعبد التواب يوسف، ثم خلت الساحة من جديد.
 
بم إذن أنصح ابنتي ؟ وما الذي يمكن لها أن تقرأه على طفلها؟ وبعبارة أخرى ما الذي يمكننا أن نقرأه على أطفالنا ؟. في هذا السياق جدير بالذكر ما أعلنه الجهاز المركزي للإحصاء العام الماضي من أن عدد الأطفال في مصر بلغ أكثر من واحد وأربعين مليون نسمة ! ولا يجد هذا العدد الضخم في سنواته الأولى ما يفتح خياله وينمي معارفه وذوقه، ولا يجد حسب ما قال توفيق الحكيم عن أدب الطفل : " ما يتناسب مع قدرات الطفل، وحاجاته، وقاموسه اللغوي، ومع ثقافته ومع بيئة التي ينتمي إليها".
 
المشكلة هنا أنك لا تستطيع أن تجبر الأدباء على الابداع في مجال الكتابة لا للطفل ولا لغيره ، لكن يبقى أمل أن يقوم مركز توثيق وبحوث أدب الطفل، والمركز القومي لثقافة الطفل، والمجلس القومي للأمومة والطفولة بعقد مؤتمرات حول أدب الطفل، يدعى اليها الكتاب، للإجابة عن السؤال : ماذا نقرأ لأطفالنا ؟ وبعبارة أخرى : أين يمكن أن نجد ما نقرأه لهم. وحينئذ ربما أتمكن من الرد على سؤال ابنتي وأسعد برؤية حفيدي وهو ينصت إلى الحكايات العربية.