لواء د. سمير فرج
ثلاث سنوات قضيتها ملحقًا عسكريًّا في تركيا، ويجب أن أقول إن هناك تشابهًا كبيرًا بين الحياة في تركيا ومصر، فالشعب التركى يعشق الشعب المصرى، وهناك جامع السلطان أحمد، أشهر مبانى مدينة اسطنبول ورمز المدينة، فالكل يعلم هناك أنه صورة من جامع محمد على في القلعة، وأن الذي بناه العمال المصريون في عهد الإمبراطورية العثمانية عندما كانت مصر إحدى الولايات التابعة لها كذلك السوق المغطاةcover bazzar.

وهى شبيهة بـ«خان الخليلى» في مصر، لكنها أكبر، حيث بناها أيضًا العمال المصريون، وهناك سوق مصرية من أهم أسواق تركيا، مثل سوق العتبة، ومازالت باسم مصر حتى اليوم، حيث كانت البضائع تصل من مصر مباشرة بحرًا إلى الرصيف الموجودة عليه في مضيق البسفور، وتنزل البضائع المصرية القادمة من الإسكندرية مباشرة إلى السوق باسم مصر.

وعندما تسير في اسطنبول ستشعر أنك في القاهرة التاريخية، خاصة من قصر توب كابيه أو الباب العالى. وأجمل القصور في اسطنبول على خليج البسفور هو مبنى القنصلية المصرية. ورغم كل ذلك ستجد نفسك تتناقش بشدة مع الأتراك عندما نختلف عن أصناف الطعام، حيث يرى الأتراك أنها أطباق تركية. ونحن نقول إنها مصرية. وندخل نقاشًا آخر مع السوريين، فالمسقعة يرى الأتراك أنها تركية، حيث يقدمونها باردة وبزيت الزيتون وبدون لحوم. وقد يقول اليونانيون أيضًا إنها يونانية. ثم ندخل على الكنافة والبقلاوة اللتين يصر الأتراك على أنهما تركيتان، وكذلك السوريون واللبنانيون. الكل يرى أنهما مِلْك لهم.

أما الشاورما فحدِّث ولا حرج: السوريون يقولون نحن الأصل. أما الأتراك فتسمى عندهم الدونير، واليونانيون سوفلاكى، وكذلك اليهود. ولعل أشهر مطعم شاورما في باريس هو محل الشاورما في الحى اللاتينى التابع لأحد اليهود هناك. والبوريك وهى فطيرة الجبنة، التي يتجادل معك التركى ليقول إنها تركية الأصل، ونحن نقول إنها مصرية.

وفى تركيا عندما تدخل شواطئ أنطاليا، وهى امتداد لشواطئ البحر الأبيض المتوسط التي تبدأ من السلوم في غرب مصر، ثم مطروح والإسكندرية، ونطلق عليها نحن هنا الساحل الشمالى ومن الإسكندرية حتى بلطيم ورأس البر وبورسعيد حتى العريش، شاطئ «المتوسط»، وبعدها حدودنا مع شواطئ غزة وفلسطين ثم لبنان وسوريا ثم تركيا كلها امتداد شواطئ البحر المتوسط. ولأن تركيا بلد شرق أوسطية بحر متوسطية، فإنها تشتهر بساحل أنطاليا، المطل على البحر المتوسط، وهو امتداد للشواطئ المصرية والسورية، ولكن نجحت تركيا في استغلال شواطئ أنطاليا، بطول 400 كيلو لتكوين منتجعات سياحية تحقق دخلًا سياحيًّا لتركيا حوالى 30 مليار دولار سنويًّا.

ولقد قضيت في تركيا ثلاث سنوات، وفى كل عطلة نهاية الأسبوع كنت أسافر من العاصمة أنقرة. عبر طريق الأتوستراد الرائع إلى سواحل أنطاليا لأن أنقرة العاصمة تم بناؤها بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية على عجل في عهد الرئيس أتاتورك، لذلك مازالت حتى الآن محدودة المعالم، ولذلك كان الجميع يهرب في عطلة نهاية الأسبوع إلى أنطاليا، حيث أجمل المدن هناك مرمريز التي تشابه شرم الشيخ ثم بدروم التي تماثل الغردقة وغيرها من المدن التي تحتوى على أجمل المنتجعات السياحية. ولكن أقسم بالله العظيم أن شواطئ أنطاليا كلها لا تساوى واحدًا على عشرة من شواطئ الساحل الشمالى المصرى، ذات المياه الزرقاء الجميلة والمياه الناعمة، وشواطئ الاستحمام الرائعة والطقس الجميل.

ولكن في سواحل أنطاليا أتحداك أن تجرؤ على النزول إلى مياه البحر هناك رغم أنها امتداد للبحر المتوسط، فهى مياه سوداء، والأرض صخرية، ولك أن تتخيل أن السائح الأجنبى يصل إلى هناك، ويقضى يومه على حمام السباحة، ولا يجرؤ على الاقتراب من مياه الشاطئ، حتى لو ارتدى حذاء الكاوتش، فالصخور في المياه تشقق الأقدام والأجسام، لكن جاءت الشهرة من تصميم القرى السياحية وتقديم جميع التسهيلات في كل قرية.

كل ما يتخيله ويطلبه السائح، حتى الألعاب المائية Aquapark، هناك تنظيم رائع، حيث كل مجموعة من القرى السياحية تختص بنوعية من السياحة حسب بلادهم، حيث هناك مجموعة قرى تستقبل السياح من الدول الاسكندنافية، النرويج والدنمارك والسويد وغيرها، حيث تجد العاملين في الفنادق يتكلمون اللغة الفلالمش، وهى لغة أصل هذه البلاد، حتى طبيعة الطعام تقدم لأذواق هذه الدول، وهكذا كل مجموعة من القرى تتبع مناطق معينة في العالم، هذه القرى تستغل مناطق الآثار العثمانية القريبة، فهناك في مدينة بدروم.

حيث توجد قلعة مثل قلعة قايتباى في الإسكندرية في وسط البحر المتوسط تقدم يوميًّا العشاء وسط أمواج البحر المتوسط، وبها أربع فرق موسيقية في كل ركن تقدم لك ذوقًا مختلفًا طبقًا لطلبات السائح، فهذه تقدم الموسيقى الكلاسيكية والركن الآخر موسيقى البوب، والآخر الشرقية وهكذا، كذلك المطاعم هناك ذات 1500 مقعد ليس بها مكان شاغر يوميًّا.

ويجب أن تحجز قبلها بأيام. ثم تأتى رحلات البحر المتوسط بالقوارب واللنشات، وأعتقد أننا في مصر متفوقون في ذلك لوجود الشعب المرجانية، والحياة البحرية الرائعة، لكن عندما ترى حجم اللنشات التي تبحر كل صباح من قرى ساحل أنطاليا تحمل الآلاف من السياح في رحلات صيد الأسماك في ا لبحر المتوسط تتحسر بالطبع على الأعداد المحدودة التي تبحر في شرم الشيخ والغردقة يوميًّا.

وهناك تنظيم آخر للرحلات السياحية للمناطق الجبلية في العمق، حيث يذهب السائح في رحلة اليوم الواحد إلى منطقة جبلية، هي مجمع للصناعات التقليدية التركية، تجد هناك مبنى لصناعة الفضة المشهورة بها تركيا، الدور الأرضى، هناك مَن يصنع الفضة أمامك، ثم الدوران الثانى والثالث لعرض المنتجات للشراء، والمبنى الآخر للسجاد التركى المشهور الهركة. الدور الأسفل ترى أنواع الأنوال تعمل عليها الفتيات، ثم الأدوار العليا لعرض المنتج وللشراء. ومبنى آخر للألماس المشهور لتركيا بسبب طبقة الأرمن التي تعيش في تركيا، وهى بارعة في تشكيل الألماس التي تستورده من بلجيكا.

وإذا لم تجد ما تريده معروضًا يمكنك شراء أي صنف من خلال الكتالوجات، ثم هناك مبنى الحرف التركية من التراث التركى، وفى منتصف المكان مجموعة مطاعم رائعة، فيها مختلف الأطباق الشهية، حيث سيقضى فيها السائح ما يسمى رحلة اليوم الواحد.

ويخرج من جيب السائح آلاف الدولارات لشراء هذه المنتجات. لذلك عندما أزور الساحل الشمالى كل عام أتحسر والله كيف أن رب العرش الكريم أعطى مصر هذه الثروة الطبيعية من الأرض والمياه والطقس، ونحن لا نستطيع استغلالها، بينما الآخرين لديهم أقل منّا بكثير، واستغلوه أفضل استغلال، لكن رغم ذلك أسعدنى أن جميع فنادق الساحل الشمالى هذا العام كاملة العدد من الإخوان من الخليج العربى، بعد أن تحولت سياحة الخليج من أوروبا إلى الساحل الشمالى في الصيف، حيث أرجو أن نهتم بهذه السياحة في الفترة القادمة.. ويجعلك «عمار» يا مصر.
نقلا عن المصري اليوم