في مثل هذا اليوم8 اغسطس1940م..

سامح جميل

بدأت معركة بريطانيا في 10 يوليو 1940م عندما هاجمت 60 طائرة ألمانية السفن في القنال الإنجليزي. وفيما تبقى من الشهر، ظلّ سلاح الجو الألماني يختبر تحصينات سلاح الجو الملكي بهجمات متكررة على منطقة دوفر. وفي أغسطس، كثَّف سلاح الجو الألماني هجماته لتشمل كل القواعد الجوية في جنوبي إنجلترا. وفي15 أغسطس، هاجم تاينسايد في الشمال الشرقي لإنجلترا بـ 140 طائرة وشنَّ هجومًا قوامه 800 طائرة على قواعد سلاح الجو الملكي في جنوب إنجلترا. وقام سلاح الجو الملكي بـ 974 هجومًا على الطائرات المعادية، وخاض قتالاً جويًا رئيسيًا خمس مرات على الأقل. وبالغ كل طرف في تقدير خسائر الطرف الآخر، غير أن القيادة الألمانية العليا اعتقدت أن تحصينات ودفاعات القنال الإنجليزية قد أُضعفت بشكل مؤثر وفعال.

 
وفي سبتمبر أغارت طائرات سلاح الجو الألماني على لندن، وعلى مهابط الطائرات بوادي نهر التايمز. وبدأت 400 طائرة مقاتلة ألمانية في توجيه نيرانها على أحواض السفن، غير أن سلاح الجو الملكي أسقط 53 طائرة بالأسلحة المضادة للطائرات. وفي 15 سبتمبر، أغارت قوة ضاربة مكونة من 1,300 طائرة ألمانية، على شكل شوكة، على أحواض السفن بلندن ومنطقة ساوثامبتون. وفي السماء الصافية الخالية من الغيوم، امتدت المعركة فوق كافة الأجزاء الجنوبية من إنجلترا، واستمرت طوال اليوم. وفقدت القوات الجوية الملكية البريطانية 127 طائرة، بينما فقدت القوات الجوية الألمانية 56 طائرة.
 
وكان من النتائج النهائية لغارة 15 سبتمبر أن القيادة الألمانية العليا أدركت صعوبة تدمير تحصينات الدفاع الجوي البريطاني. وقد باءت محاولة ألمانية أخيرة بالفشل عندما ردَّ البريطانيون قوة مكونة من 850 طائرة على أعقابها في أواخر سبتمبر. ويرجع نجاح الدفاعات البريطانية إلى النوعية المتقدمة من الطائرات المقاتلة التي كانت تستخدمها ـ سبتفاير وهوركين. كما أن استخدام الرادار كان أيضًا فعالاً في إعطاء الإنذار المُبَكِّر عند اقتراب طائرات العدو، وتحديد مواقعها.
 
مطلع العام 1940، كان الوضع على الجبهة الغربية شبيها بالوضع سنة 1914 فمن خلال موقع شبيه بذلك الذي شهدته الحرب العالمية الأول وجدت القوات المسلحة الألمانية، المعروفة بالفيرماخت (Wehrmacht)، نفسها مرة ثانية في مواجهة مع كل من الفرنسيين والبريطانيين.
 
وخلافا لما حصل بالحرب الكبرى والتي نجح خلالها الفرنسيون في وقف تقدم قوات الجنرال الألماني فون مولتكه (von Moltke)، تقدمت دبابات الجنرال الألماني غيرد فون رونتشتيت (Gerd von Rundstedt) خلال الحرب العالمية الثانية بثبات داخل الأراضي الفرنسية مجبرة الفرنسيين وحلفاءهم البريطانيين على الفرار نحو الشواطئ الشمالية أملا في عبور بحر المانش، المسمى أيضا بالقناة الإنجليزية، وبلوغ الأراضي البريطانية. وتماما كالنصر البروسي التاريخي على فرنسا عام 1871، أجبر الفرنسيون على الاستسلام وتوقيع معاهدة كومبين عقب معارك ضارية استمرت بين يومي 10 أيار/مايو و21 حزيران/يونيو سنة 1940 ليظل بذلك البريطانيون وحدهم في مواجهة آلة الحرب الألمانية.
 
Chain Home radar cover, bases and group boundaries
وقد دفعت شجاعة وصلابة القوات الجوية الملكية خلال معركة بريطانيا السير ونستون تشرتشل إلى إطلاق ثنائه الشهير (لم يسبق في مجال الصراعات البشرية أن كان الكثيرون مدينين لقلة من الأفراد).
 
تحقيقاً لهذه الغاية في 2 آب/أغسطس أعد قائد سلاح الطيران الألماني غورينغ خطة لتوجيه ضربات شديدة من الجو لتدمير القوة الجوية البريطانية وذلك لكي ييفتح الطريق أمام الغزو البرمائي، وسميت عملية الغزو بـ (أسد البحر).
 
لو تحققت المساعي النازية في هذه المعركة لتمكنوا من إخضاع الإنكليز واحتلال بلادهم، ولكن سلاح الجو الملكي البريطاني حال دون بلوغ الألمان غايتهم، بل هيئ النصر في هذه المعركة جميع الظروف للحلفاء من أجل تمديد زمن الحرب والقضاء على قوات هتلر بالكامل بعد عدة سنوات.
يوم 16 من شهر حزيران/يونيو سنة 1940، أصدر هتلر التوجيه السادس عشر. وبموجبه، أمر القائد النازي بوضع مخطط لعبور القناة الإنجليزية وغزو الأراضي البريطانية متذرّعا بعدم رغبة البريطانيين في الاستسلام والجلوس لطاولة المفاوضات على الرغم من وضعهم العسكري التعيس.
أطلق الجنرال الألماني ألفرد جودل (Alfred Jodl) اسم أسد البحر على عملية غزو الأراضي البريطانية والتي اتجه الجميع مع بدايتها للاستعانة بأكثر من 250 ألف جندي إضافة وما يقارب 60 ألف حصان و35 ألف عربة عسكرية، فضلا عن ذلك تم تحديد منتصف شهر آب/أغسطس سنة 1940 كموعد أوّلي لبدأ الإنزال البحري الذي سينطلق من موانئ بلجيكية وفرنسية مطلة على المانش، مثل كاليه وشيربورغ، ليحط الرحال على بعد نحو 200 ميل بالسواحل الجنوبية الشرقية لبريطانيا.
 
ولإنجاح هذه العملية العسكرية، وضع الألمان عددا من الشروط الأساسية اقتضت إلحاق خسائر فادحة بالبحرية البريطانية على يد البحرية الألمانية والإيطالية بكل من البحر الأبيض المتوسط وبحر الشمال لإقصائها من الحرب وتسهيل الإنزال البحري الألماني. أيضا اقتضت العملية إزالة جميع الألغام البحرية من القناة الإنجليزية وتلغيم مضيق دوفر (Dover) ونجاح سلاح الجو الألماني، المعروف باللوفتفافه (Luftwaffe)، في تحقيق التفوق الجوي على طائرات سلاح الجو الملكي بالأجواء البريطانية، إضافة لقصف المدنيين البريطانيين وقتل أكبر عدد ممكن منهم لإجبار حكومة رئيس الوزراء ونستون تشرشل على الاستسلام.
 
ي غضون ذلك، واجهت القوات المسلحة الألمانية مصاعب جمّة في تحقيق أهدافها. فبحرا، حافظت بريطانيا على مكانتها كأهم قوة بحرية عالمية حيث امتلكت البحرية الملكية عددا كبيرا من السفن الحربية وهو ما خوّل لها الحفاظ على إمبراطوريتها الاستعمارية المترامية الأطراف. وفي مقابل ذلك، كانت البحرية الألمانية، المعروفة بالكريغسمارين (Kriegsmarine)، صغيرة الحجم مقارنة بنظيرتها البريطانية، حيث اعتمد الألمان بالأساس على الغواصات والتي كانت بلا قيمة تذكر أثناء عمليات الإنزال البحري. وخلال نفس الفترة، خسرت ألمانيا عددا من قطعها الحربية البحرية ضد البريطانيين أثناء الحملة على النرويج سنة 1940 وقد تزامن هذا مع الخسائر الجسيمة التي تكبّدتها البحرية الإيطالية بالبحر الأبيض المتوسط. أيضا، أقدم البريطانيون يوم 3 من شهر تموز/يوليو من نفس السنة على تدمير جانب هام من السفن الحربية الفرنسية بميناء المرسى الكبير بالجزائر وقد جاء ذلك خوفا من وقوع هذه القطع الحربية البحرية الفرنسية في قبضة الألمان عقب استسلام فرنسا.
 
في الأثناء، تزامنت خيبة الأمل البحرية الألمانية مع فشل ذريع لسلاح الجو وقائده هرمان غورينغ (Hermann Göring)، الذي وعد هتلر بنصر ساحق بالأجواء البريطانية، حيث عجزت اللوفتفافه عن تحييد سلاح الجو الملكي وإقصائه من المعركة وبسبب ذلك لم يتمكن الألمان من تحقيق التفوق بالأجواء البريطانية مثل ما حصل بوقت سابق بفرنسا.
 
وأمام فشله في تحقيق الشروط التي قد تمهّد الطريق لنجاح عملية الإنزال بالسواحل البريطانية، اجتمع أدولف هتلر يوم 17 من شهر أيلول/سبتمبر سنة 1940 بقائد سلاح الجو هرمان غورينغ والجنرال غيرد فون رونتشتيت ليخبرهما بإلغاء عملية أسد البحر وتأجيل غزو بريطانيا لأجل غير مسمى. فضلا عن ذلك، عمد أدولف هتلر خلال شهر يونيو/حزيران سنة 1941، لفتح جبهة جديدة شرقا ضد الاتحاد السوفيتي ضمن عملية بربروسا ليتم على إثر ذلك نقل العديد من الفرق العسكرية التي كانت ستشارك بغزو بريطانيا نحو الشرق.!!