محمد أبو الغار

 نشر هذا الكتاب بالإنجليزية عام ٢٠١٧ بقلم د. سمير سميكة حفيد مرقص باشا سميكة، وهو أيضًا حفيد د. نجيب باشا محفوظ مؤسس قسم أمراض النساء بقصر العينى، وشارك معه الأستاذة نيفين حنين، وقامت بالترجمة مؤسسة سان مارك لتوثيق التراث، وبمقدمة متميزة للدكتور جودت جبرة.

 
ولد مرقس سميكة في فبراير عام ١٨٦٤، والمؤلف ورث عن والده مذكرات جده مرقس باشا سميكة، وبعد أن تقاعد تفرغ لقراءة المذكرات واكتشف كنزًا من المعلومات عن تاريخ مصر، من منتصف القرن التاسع عشر وحتى أربعينيات القرن العشرين.
 
وبداية المتحف القبطى جاءت بالصدفة حين كان مرقس باشا عند البطريرك كيرلس الخامس، وكان على وشك أن يصهر أغطية أناجيل من القرن الرابع عشر والخامس عشر وعليها كتابات بالعربية والقبطية لتباع كسبائك فضة، فدفع مرقس باشا ثمنها ودخلت المخازن لتصبح أول مقتنيات المتحف القبطى. وبدأ سميكة بجمع التراث من رشيد وحتى الخرطوم وافتتح المتحف عام ١٩١٠ وهو تحفة معمارية بديعة، وضم الملك فؤاد المتحف عام ١٩٣١ إلى متاحف الدولة وافتتح المتحف الجديد عام ١٩٤٧.
 
دخل مرقس المدرسة التابعة للبطريركية وكان شغوفًا بتعلم اللغات فأجاد بجانب العربية الإنجليزية والفرنسية والقبطية، ودخل ثلاثة من إخوته مدرسة الحقوق العليا، والتحق مرقص بمدرسة الفرير ووطد علاقته مع الإنجليز حتى أصبح على علاقة جيدة مع لورد كرومر ومستر دنلوب مستشار التعليم. وبعد ذلك التحق بوظيفة مترجم في مصلحة السكة الحديد، وترقى بسرعة فائقة ليأخذ مركزا قياديًا وعند عمر ٤٢ عامًا استقال من العمل الحكومى وتمت مكافأته بتعيينه عضوًا في مجلس شورى القوانين عام ١٩٠٦، ورشح لمنصب العضو القبطى في مجلس النظار (الوزراء)، وفعلًا تم تعيينه في هذا المنصب بتأييد شديد من اللورد كرومر. ثم عين في مجلس المعارف الأعلى الذي كان رئيسه سعد زغلول، وكان له دور كبير وأفكار لتطوير التعليم وبناء المدارس ومنها مدرسة كبيرة للبنات من الأقباط. ويقول سميكة إنه ومعظم أعضاء اللجنة ومنهم سعد زغلول كانوا موافقين على مد امتياز قناة السويس لأن المبلغ المعروض كان ٤ ملايين جنيه، ولكن ناظر المالية يوسف وهبى باشا رفض المد وتراجع معظم أعضاء اللجنة تحت ضغط الحملة الصحفية الشديدة والرأى العام القوى الرافض لمد الامتياز. ويوم التصويت لم يحضر الموافقون على التصويت باستثناء سميكة الذي تلقى خطابات تهديد. وتم اغتيال رئيس الوزراء بطرس غالى بسبب موقفه من مشروع تمديد الامتياز.
 
وتحدث عن حفل وداع اللورد كرومر الذي حضره سميكة، وقال كرومر في خطبته «إن سعد زغلول يمتلك كل صفات الزعامة وهو مخلص وكفء وشجاع وأتوقع أن يقوم بإنجازات جليلة».
 
ويكتب سميكة أن السبب الرئيسى لمؤتمر الأقباط الذي عقد في أسيوط عام ١٩١١ هو أن اللورد كرومر عين محمد محمود بعد عودته من أكسفورد في منصب هام، ورفض أن يعين لويس فانوس الذي حصل على نفس الدرجة من أكسفورد، فقام أبوه بتحريض الأقباط وأقيم المؤتمر.
 
ولم يكن سميكة معجبًا بتمثال نهضة مصر ولا تمثال سعد زغلول ولا مصطفى كامل، ويبدو أنه لم يكن مغرمًا بالفن الحديث. كان سميكة مفتونًا بالتراث القبطى، وتعرف على بتلر، صاحب الكتاب الشهير «الكنائس القبطية في مصر»، وكذلك على مهندس بناء الكنائس الشهير كلارك، وساعداه كثيرًا في بناء مشروعه الكبير.
 
وأفرد سميكة فصلًا كاملًا للمجلس الملى الذي كان عضوًا به لمدة ٣٩ عامًا، وقدم استقالته احتجاجًا على السياسة المالية التي يتبعها المجلس.
 
وكان سميكة مهتمًا بالآثار المصرية القديمة ومنها انتقل إلى الآثار القبطية والحفاظ عليها. وشرح ما حدث من جهل في ترميم الكنائس القبطية الأثرية، وعمل جهدًا كبيرًا للحفاظ على الأحجية الخشبية القديمة. وكان البابا كيرلس معترضًا على الطريقة التي يعمل بها سميكة باشا، وأنه حفاظًا على الكنائس القديمة سعى ونجح ونقل الإشراف عليها إلى لجنة حفظ الآثار مما أغضب البابا منه لعدة سنوات. وفى عام ١٩٠٨ بدأ سميكة في إنشاء متحف قبطى صغير بنقل قطع أثرية وأيقونات ومحفوظات إلى غرفتين بجوار الكنيسة المعلقة، ولكن البطريرك رفض. وقرر سميكة أن يتوقف عن المطالبة بالإصلاحات في المجلس الملى حتى يوافق البابا على مساعدته في إنشاء المتحف القبطى، وأعلن سميكة في يناير ١٩٠٨ عن بدء اكتتاب لإنشاء المتحف القبطى وكان أول المكتتبين السلطان حسين كامل، وانضم للاكتتاب كبار الأقباط والمسلمين؛ منهم شعراوى باشا وعلوى باشا وعفيفى باشا وكذلك المندوب السامى البريطانى.
 
وكلما زادت المقتنيات أضيفت حجرة أخرى. ولم تساهم الكنيسة بأى أموال في إنشاء المتحف. وكان سميكة يشترى المقتنيات من الكنائس ويدفع ثمنها.
 
ودعا سميكة السلطان فؤاد لزيارة المتحف وصدر مرسوم ملكى بضمه إلى متاحف الدولة وتعيين سميكة مديرًا له، وحدث غضب كبير من الكهنة ومن عموم الأقباط، وقام البابا بقفل المتحف بالأقفال، وحضر وكيل وزارة المعارف ومعه أقفال مع الشرطة، وكسر الأبواب وقام بتغيير الأقفال وغضبت الكنيسة والأقباط من سميكة باشا. ولكن الجميع اكتشف أن ذلك في مصلحة المتحف.
 
وكان الحدث الهام هو نقل جميع الآثار القبطية من المتحف المصرى إلى المتحف القبطى وتمت موافقة البرلمان برئاسة سعد زغلول في ١٦ مايو ١٩٢٧. واستمر سميكة يبحث عن الآثار القبطية والكتب القديمة في كل مكان في مصر لتضاف إلى مقتنيات المتحف. وجمع المخطوطات القبطية القديمة من الأديرة وقام بترميمها.
 
شكرًا للدكتور سمير سميكة الذي احتفظ بمذكرات جده، وشكرًا لأنه لم يحذف شيئًا منها وخاصة الأجزاء التي قد يراها البعض منافية للوطنية. تحية لروح سميكة باشا الذي استطاع بمجهوده وفى ظروف غاية في الصعوبة إنشاء المتحف، وأغضب السلطان واغضب الكنيسة، ولكن الآن وبعد مرور أكثر من قرن على بدء الاكتتاب للمشروع أصبح واضحًا الحجم الهائل لأعمال سميكة باشا الذي أضاف متحفًا مصريًا هامًا بجوار متاحفها العظيمة.
 
قوم يا مصرى مصر دايمًا بتناديك.
نقلا عن المصرى اليوم