عاطف بشاي
تختلف الرؤى والتصورات وتتباين الآراء ووجهات النظر.. وتتناقض الأفكار والدلالات في كثير من المعالجات الفنية والأدبية التي تحمل نفس المحتوى وتتشابه في مضمونها لكنها تختلف في اتجاهات وثقافات وذائقة مبدعيها وقناعاتهم الفكرية والسياسية والتاريخية، وفى الفترات الزمنية التي تثار فيها القضايا المطروحة. اقول ذلك بمناسبة أنى كنت أقلب في دفاترى القديمة فاستلفتنى مقال منشور في مجلة «السينما والمسرح» التي كان يرأس تحريرها الروائى والسيناريست القدير «يوسف جوهر» في السبعينيات من القرن الماضى في باب مخصص لأفلام شابه تكتب للمسرح.. والشاب هنا هو «عبدالمنصف شكر» الذي يرصد في تحليل نقدى محتوى مسرحية عرضتها فرقة المسرح الحديث هي «عالم على بابا» تأليف نبيل بدران وإخراج «سعد أردش» وبطولة «صلاح قابيل» و«عزيزة راشد» و«محمود التونى»، ويتناول العمل تفاصيل ممارسات لصوص المال العام الذين كان يطلق عليهم في تلك الحقبة الزمنية «القطط السمان».
وتبدأ المسرحية باجتماع داخل المغارة حيث يتدارس أفراد العصابة أسلوب عملهم الجديد في تطوير أساليب الاحتيال لجمع ثروات ضخمة عن طريق المتاجرة والتلاعب في الأقمشة الشعبية والأغدية والأخشاب والدواجن.. لكن ينشأ صراع بين رجل شريف هو «على بابا» وبرفقته «مرجانة» التي تجمعه بها علاقة حب وطيدة ويشتركان في محاولات دؤوبة للقضاء على العصابة التي تفلت في كل مرة من العقاب.. ويستمر «على بابا» في تعقبها ويتجه إلى الناس يطلب منهم التعاون معه.. ويأتى ذلك على لسان «مرجانة» في نهاية المسرحية حينما تعلن صائحة: «لو كل واحد فينا يبقى على بابا.. لو نبقى أربعين مليون على بابا».
■ ■ ■
ثم تدور عجلة الزمن دورتها في عام 1985 يطرح الكاتب الساخر الكبير «أحمد رجب» رؤية مختلفة مستوحاة من نفس الحدوتة التراثية الشهيرة «على بابا والأربعين حرامى»، من خلال قصة قصيرة تحتوى عليها المجموعة القصصية «نهارك سعيد»، هي «محاكمة على بابا» التي عالجتها كفيلم تلفزيونى كتبت له السيناريو والحوار وأخرجه القدير «إبراهيم الشقنقيرى» وقام ببطولته «يحيى الفخرانى» و«إسعاد يونس». وتدور أحداث السيناريو حول عجز مطلقة تعمل أستاذة لعلم النفس بكلية الآداب في حل مشاكل أطفالها الثلاثة المختلفة.. فتستعين بطليقها ليساعدها في تقويم سلوكهم حتى تستقيم تربيتهم.. يبادرها ساخرًا: «هل فشل علم النفس؟».. تجيبه.. كلا لكن لا بد من السلطة الأبوية ليحدث التوازن.. وتخبره أن الابن الأكبر يجاهر بوقاحة في كراهية ورفض أشعار فطاحل الشعراء العرب، وخلافه مع المدرس بشأنهم، فهو يرى أن «المتنبى» و«البحترى» و«أبوتمام» منافقون يقولون قصائد المديح للملوك والأمراء طلبًا للمال.. فإذا لم يجزل لهم العطاء انقلبوا شتامين يهجون.. إنهم يعلموننا أن النفاق يجلب المال والعطايا.
أما الابن الأوسط فيهوى كرة القدم التي تشغله عن المذاكرة والدرس والتحصيل.. أما الطفل الأصغر فقد جاء بمفاجأة أن مشرفة الحضانة طردته وحتمت ألا يعود إلا بصحبة ولى أمره والسبب أنها حينما كانت تحكى للأطفال حكاية على بابا والأربعين حرامى سألها:
- هل استولى على بابا على كنوز اللصوص؟!
- أجل
- ألم يسرق اللصوص هذه الكنوز من الناس؟
- نعم.. هذا صحيح
- إذًا فعلى بابا لص لأنه استولى عليها لنفسه ولم يسلمها إلى الشرطة.
- كلا.. على بابا رجل طيب.
- بل هو حرامى.
وانتهى الحوار بطرد الطفل «كوكى» من الروضة.
يدهش الأب مؤكدًا للأم أنه لم يخطر بباله منذ الصغر أن على بابا لص.. تضحك الأم وتردد ساخرة لا تنسى أن «كوكى» ذكى.
والمغزى الواضح الذي تطرحه القصة ومن ثم السيناريو أن المسلمات العتيقة اللعينة المسيطرة علينا منذ حقب طويلة تظل ثابتة راسخة لا تتغير، وتلغى إعمال العقل والتفكير فنحن نتوارثها جيلًا بعد جيل رغم تهافت منطقها.
ترى الأم أن الطفل كوكى يعانى من أزمة نفسية لأن المشرفة تبرئ «على بابا» من السرقة وأصرت أن كوكى لا بد أن يعرف أن «على بابا» سوف يتلقى جزاءه، وأنه لن يترك طليقًا يتمتع بأموال الناس المسروقة هو و«مرجانة».. ويتفقان على اصطحاب كوكى إلى قسم الشرطة.. ويطلبان من الضابط تحرير محضر سرقة ضد «على بابا».. والأمر بالقبض على «على بابا».
تقف الأم مع كوكى خارج قسم الشرطة حتى لا يرى الصغير أو يسمع ما سوف يتفق عليه الأب مع الضابط، بينما يدلف الأب إلى المبنى ويتجه إلى غرفة الضابط مبادرًا:
- «أريد تحرير محضر سرقة لعلى بابا».
- على بابا مين؟!
- على بابا الذي استولى على كنوز الناس من الأربعين حرامى.
لكن الضابط الذي كان يبدو عليه الإرهاق ضرب المكتب بيده صارخًا: «ارحمنى يا رب من أمثالك.. وفى لمح البصر فوجئ الأب بشرطى يشل حركته والضابط يأمره بوضع الأب في الحجز تمهيدًا لترحيله إلى مستشفى الأمراض العقلية..
وهكذا فالمفارقة تفرض نفسها على التناقض بين مسرحية «عالم على بابا» الثائر ضد الفساد المستشرى، وتحوله في الفيلم إلى لص أثيم، استولى على ما سرقه الأربعين حرامى.
و.. «يا عزيزى كلنا لصوص».
نقلا عن المصرى اليوم