صلاح الغزالي حرب
لدى مشاركته في الجلسة الختامية لقمة ميثاق التمويل العالمى الجديد، ذكر الرئيس السيسى أنه في حملته الانتخابية قال: (ماعنديش حاجة أوعدكم بيها إلا بالعمل والعمل.. والعمل والصبر)، وقد كان بالفعل صادقًا فيما قال، كما كان المصريون أيضًا عند حسن الظن بهم وهم يرون الإنجازات الضخمة من حولهم في شتى النواحى، ومن ناحية أخرى أطلقت دار الإفتاء المصرية حملة عبر حسابها الرسمى تدعو من خلالها الشعب المصرى إلى الصبر والتقشف التي تمر بها البلاد، وقالت إن ديننا الحنيف يدعو إلى بث خلق الصبر والمثابرة، وحثت الشعب المصرى على الرضا والقناعة والنهى عن الإسراف والتبذير وعدم التطلع واشتهاء ما لا يملك!.

وللمصريين أمثال تعبر عن الصبر، ومنها (الصبر مفتاح الفرج) و(الصبر جميل) و(طول البال يهدم الجبال) وغيرها.. فإذا نزلنا إلى أرض الواقع سوف نجد حالة من القلق الذي يجب أن نحذره، فالأسعار أصبحت حرة لا يحكمها قانون ولا عرف ولا ضمير، وامتدت إلى كل ما يحتاجه المواطن من كيلو اللحم الذي تجاوز سعره 400 جنيه إلى كيلو الليمون الذي وصل إلى 50 جنيهًا، وقد حذرت أكثر من مرة، وطالبت بتشديد الرقابة الجادة على الأسواق، وعمل تسعيرة مؤقتة لا تغبن البائع ولا تُكبد المشترى ما لا يطيق، مع ضرورة الضرب بيد من حديد على كل مَن يخالف القانون.. للقضاء على الفوضى، وسوف أرصد بعض الأمثلة الأخرى عن حالة الفوضى:

1) التعليم'>فوضى التعليم:
تنص المادة (19) من الدستور على أن التعليم حق لكل مواطن، وهو إلزامى حتى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها، وتكفل الدولة مجانيته بمراحله المختلفة في مؤسسات الدولة التعليمية وفقًا للقانون، وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى لا تقل عن 4% من الناتج القومى الإجمالى، تتصاعد تدريجيًّا حتى تتفق مع المعدلات العالمية.. وقد تحدثت مؤخرًا مع شاب مصرى يكافح من أجل لقمة العيش ذهب سعيدًا مع طفلته الصغيرة للالتحاق بأقرب مدرسة حكومية له في محافظة الجيزة في السنة الأولى الابتدائية وهو يعلم أن المصاريف المقررة نحو 325 جنيهًا وهو ما حدث، ولكنه فوجئ بطلب 300 جنيه لشراء ملابس للطفلة من المدرسة!، و100 جنيه تحت بند كراسة صحية (بعد إخبارهم أن لها كراسة تأمين صحى مثل كل الأطفال)، و100 جنيه تحت بند شهادة صحية!، لم يعرف معناها ولا مغزاها، و100 جنيه مقابل الدوسيه لوضع الأوراق!.

ثم أخبروه بوجود مصاريف أخرى بعد 3 أشهر!، وقد جاءنى وهو في حالة إحباط وحزن يطلب المشورة.. وفى الحقيقة لم أشأ أن أخبره بما أعلمه عن حتمية الدروس الخصوصية ومصاريف متوقعة لإعانة المدرسة وتجهيز الفصول وطلبات المدرسين.. فإذا كان هذا هو حال الملايين غير القادرين على مصاريف (مجانية) التعليم، فماذا نتوقع لمستقبل هؤلاء الأطفال ونحن نعلم أن المرحلة الأولية حاسمة للغاية في تنظيم شخصية الطفل وتشكيل خصائصه السلوكية وصفاته وأخلاقه.. وماذا نتوقع من هذا الشاب في مواجهة هذه العواصف المادية؟، ولمواجهة هذا الموقف، أقترح سرعة العمل على زيادة مرتبات مدرسى هذه المرحلة المهمة في حياة الأطفال، ولن تعدم الحكومة إيجاد موارد لهذه الزيادة طبقًا لفقه الأولويات بالتوازى مع تشديد العقوبات على محترفى الدروس الخصوصية والسماح بعمل مجموعات تقوية حسب رغبة أولياء الأمور بأسعار مناسبة، كما يجب تحفيز رجال الأعمال والأثرياء على الإسهام في إنشاء المدارس والفصول في كل محافظة، مع خصم مناسب من ضرائبهم.

وهناك مصدر آخر للقلق والغضب السنوى يرتبط بمعضلة الثانوية العامة، في الوقت الذي تسعى فيه الدولة إلى رفع المستوى بما يحقق الأمل في الجمهورية الجديدة.. ناهيك عن سيطرة الدروس الخصوصية على الساحة التعليمية بكل أسف.

2) فوضى القاهرة الجديدة:
هي مدينة مصرية جديدة من مدن الجيل الثالث، وتتبع إداريًّا هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، والمفترض أنها من أكبر وأرقى مدن محافظة القاهرة، وتتكون من عدة تجمعات سكنية، أكبرها هو التجمع الخامس الذي لجأت إليه منذ عدة سنوات بحثًا عن الهدوء.. وللأسف الشديد، تبين لى أن رئيس المدينة صلاحياته محدودة، مما دعانى إلى المطالبة بإعطائه صلاحيات المحافظ، وكالعادة لم يعلق أحد من المسؤولين!، فماذا كانت النتيجة؟.

هناك فوضى عارمة من الميكروباصات لم تستطع الإدارة التحكم فيها، كما لا توجد وسيلة لعبور الشوارع في هذه المدن في أمان، مما تسبب في الكثير من الحوادث، وهناك ما يشبه الفوضى في إنشاء الكثير من المولات الضخمة في مناطق غير مجهزة على الإطلاق من حيث حجم وسعة الطرق، مما يؤدى إلى فوضى عارمة وسيطرة مافيا السياس وما ينتج عنه من غضب من المواطنين، ثم طفت على السطح مشكلة توافر المياه، حيث تشكو مناطق كثيرة من قلة المياه وعدم انتظامها، ومنها منطقة شمال الشويفات التي تنقطع فيها المياه بصورة شبه يومية في الصباح الباكر وبعد العصر!، وبالسؤال قيل لى إنه الإهمال والفوضى وعدم مراقبة العاملين في هذا المرفق- عمدًا أو إهمالًا- والمؤسف أن رئيس المدينة لا يتواصل مع شكاوى المواطنين، كما أن المهندس المسؤول عن هذا الأمر لم ينجح في حل المشكلة، فما معنى ذلك؟. معناه الوحيد هو الاختيار الخاطئ للمسؤول، وعدم وجود رقابة حقيقية على العمل، وهو ما يؤدى بالطبع إلى حالة من الغضب والقلق.. والسؤال موجه إلى رئيس هيئة المجتمعات العمرانية ووزير الإسكان.

3) فوضى الرياضة:
كما نعلم جميعًا، فإن لعبة كرة القدم في مصر تُعد الرياضة الشعبية الأولى، كما أن المنتخب المصرى هو أكثر المنتخبات العربية والإفريقية تفوقًا وأول فريق إفريقى وعربى يلعب في كأس العالم عام 1934، كما أنه المنتخب الأكثر حصولًا على كأس الأمم الإفريقية لكرة القدم.. وعلى الجانب الآخر، نعلم أن جمهور كرة القدم ليس مجرد مؤثرات صوتية في الملاعب، ولكن يمكن اعتباره كيانًا بشريًّا يعطى المباريات مذاقًا مختلفًا، ويُحدث أجواء رائعة من الصعب الاستغناء عنها.. وتحرص الأندية في الخارج على توسعة ملاعبها كى يكون العائد المادى من التذاكر أضخم، ونتذكر أن ريال مدريد كان أكثر الأندية الأوروبية تحقيقًا للأرباح من هذه التذاكر، حيث جنى 131 مليون يورو من المباريات التي أُقيمت على أرضه بواقع 4.9 مليون يورو للمباراة الواحدة، كما حقق أرسنال الإنجليزى 29% وأتليتكو مدريد 30% من الأرباح عن طريق التذاكر في ذلك العام، كما تجنى الأندية أرباحًا إضافية عن طريق بيع بعض المنتجات في متاجر ملحقة بملاعبها ومبيعات قمصان اللاعبين، كما تحصل على مبالغ كبيرة من عائدات حقوق بث المباريات والبطولات التي تشارك فيها.

وقد غابت الجماهير المصرية للأسف عن الحضور عقب حادثة استاد بورسعيد في فبراير 2012، وفى عام 2021 أعلنت رابطة الأندية المصرية عن عودة الجماهير، ولكن بأعداد محدودة، ولا أدرى لماذا لا تزال الجماهير بعيدة عن الاستمتاع بالهواية الأهم لدى الغالبية من المصريين، في حين أن الأمن مستقر، والحمد لله، وأصبحت الدولة قادرة بالقانون الصارم وبتعاون الأندية على السماح بامتلاء الملاعب كما كانت في الماضى. نريد أن نُعيد للمواطن حقه في الترفيه المحبب لديه، وأملى كبير في استجابة وزارة الداخلية في أن تعود الابتسامة سريعًا إلى وجوه المصريين.
نقلا عن المصرى اليوم