محمد أمين
الكلام عن الدكتور زويل لا ينتهى، فهو أسطورة العصر، وذكراه هذه الأيام مناسبة للكلام عنه من جديد.. فحين كان الدكتور زويل يقدم محاضرة فى صالون الأوبرا، كان يندهش من الزحام الشديد فى الأوبرا.. وكان لا يجد تفسيرًا لهذا الاحتشاد، ولكن المصرى البسيط فسر ذلك ببساطة، حين سألوا بعض الحضور، قالوا قد لا نعرف ماذا فعل فى الكيمياء، لكننا نعرف أنه من لحمنا ومن دمنا!
وكان الدكتور زويل سعيدًا بالتفاف المصريين حوله، وربما كان يعرف كيف يجذب هؤلاء ببساطته وتواضعه واستماعه للموسيقى والشعر وأغانى أم كلثوم.. فهو مثلنا يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق ويسمع الأغانى!
وبهذه المناسبة، أرسل لى الدكتور مصطفى سليمان، مترجم كتاب «الطريق إلى نوبل»، رسالة يقول فيها كلامًا كثيرًا أشير هنا إلى بعض منه.. يقول الدكتور مصطفى: «رحم الله الدكتور زويل، الذى لم يفهمه أحد فى مصر، ولم تستفد منه مصر فى حياته، رغم رغبته فى العطاء وقدرته على العطاء، وأظن أن مصر لم تكن مهيأة لذلك ولاتزال غير مهيأة.. فلم تستفد منه فى تحديث منظومة التعليم العالى بأسرها، من خلال فكرته الخاصة بإنشاء جامعة العلوم والتكنولوجيا، ووادى التكنولوجيا الملحق بها!
وهى فكرة جديدة بمعنى الكلمة لإحداث مشاركة فعالة فى علوم القرن الحادى والعشرين، بتركيزها فى البداية على أساسيات العلوم، وهى الرياضيات والفيزياء والكيمياء والهندسة وعلم الاقتصاد إلى آخره.. مع إنشاء برنامج للدراسات العليا يقوم على إنشاء خمسة معاهد بحثية مماثلة فى مكانتها ومضمونها لمعهد ماكس بلانك فى ألمانيا، ومعهد وايزمان فى إسرائيل، والمعهد الهندى وأمثالها فى العالم المتقدم، على أن تكون ذات صلة وثيقة بالمشكلات فى مصر والمنطقة!
أعنى الطاقة والمعلومات وعلوم الطب الحديثة والهندسة الوراثية وعلوم المواد والليزر ومصادر المياه والتغيرات العالمية وارتياد واستكشاف الفضاء، وسوف تُنشئ الجامعة برامج دولية لتشجيع الطلاب وهيئة التدريس للتبادل العلمى والثقافى مع الجامعات المماثلة فى العالم، وبنفس المستوى!
أقول إن مصر لم تفهمه وقتذاك، وتصور البعض أنه جاء ليزاحمهم فى الوظائف العامة، وأخص بذلك حكومة الدكتور نظيف، مع أنه لم يكن يرغب فى شىء من هذا، ومن يقرأ كتاب »الطريق إلى نوبل» صفحة 138، سوف يعرف أن مكتب سلاح الطيران الأمريكى للبحوث العلمية هو الممول الأساسى لبحوث الدكتور زويل، وبعض تجاربه تتكلف التجربة من 100 مليون دولار إلى 200 مليون دولار!
ومعناه أن الدكتور زويل كان مرتبطًا علميًا ووظيفيًا بأمريكا، وهو ليس فى حاجة إلى أى وظيفة أو منصب مهما كانت قيمته، ومهما كان موقعه!
ولو عرف أصحاب السلطة أنه كان فى حالة استغناء، وأن وجوده ليس خصمًا منهم، وأنه لا يريد شيئًا أكثر من مساعدة مصر بالعلم، ربما استراحوا، ولكنهم حاربوه فبدا كأنه يجرى وراء قطعة أرض لبناء جامعة باسمه، وهو ليس كثيرًا عليه.. فشعر بأنه لا كرامة لنبى فى وطنه، وحطموا معنوياته فأصابه مرض السرطان حتى غادر دنيانا، وترك لهم الأرض والجامعة والجمل بما حمل!.
نقلا عن المصرى اليوم