سمير مرقص
(1) فى ضرورة إعادة النظر
فى مقدمته الدراسية التى قدم بها لندوة المدرسة التاريخية المصرية (1995) والمعنونة: «تطور الدراسات المصرية لتاريخ مصر الحديث والمعاصر فى الخمس وعشرين سنة الأخيرة» يؤكد الدكتور محمد عفيفى على الأهمية القصوى أو بحسب تعبيره إلى الهاجس المُلح على إعادة النظر فى الذات، وتقييم المدرسة التاريخية المصرية من جانب أهلها. وتمثل مقولة عفيفى تحديدًا ما نعمل على إنجازه فى هذه السلسلة من المقالات التى نتناول فيها كيف يتم التأريخ للشأن القبطى. وقد دفعنا إلى ذلك تلك الكتابات- إلا فيما ندر- التى انتشرت فى العقدين الماضيين فى الداخل والخارج سواء من أطروحات لا تطرح شيئًا جديدًا أو كتابات سطحية. ومن ثم قمنا بتتبع مسار الكتابة التاريخية التى تناولت الشأن القبطى، فاستخلصنا رصدًا قوامه ست محطات رئيسية لهذا المسار: الأولى: الكتابة الدينية. الثانية: الكتابة السردية. الثالثة: الكتابة الأكاديمية الأجنبية والوطنية. الرابعة: الكتابة من منظور الجماعة الوطنية/المواطنة. الخامسة: الكتابة المجتمعية/السياقية. السادسة: الكتابة متعددة مستويات المقاربة والتحليل. كما ميزنا بين المقاربات التى تتناول الأقباط وتراوحها بين مقاربات ثلاث: أولًا: المقاربة الطائفية/الملية أو الدينية، وثانيًا: المقاربة الأقلوية، وثالثًا: المقاربة المواطنية...فى هذا الإطار، طالعنا كتابات العقدين الأخيرين ووجدنا غير قليل منها يمثل ردة على ما كان بلغه مسار الكتابة فى الشأن القبطى... لماذا؟ وكيف؟...
(2) أطروحات مضروبة وكتابات فرز ثانٍ
كان من المفترض أنه مع التقدم اللافت فى مناهج التناول التاريخى التى انفتحت على الحقول المعرفية الأخرى مثل: علم الاجتماع، والاقتصاد والسياسة والديموجرافيا والجغرافيا والأنثروبولوجيا... إلخ، والتى تواصلت مع مقاربات دائمة التجدد مثل: التحليل الثقافى، وتحليل المضمون... إلخ، أن تشهد الدراسات التى تتناول الأقباط جديدًا من حيث القراءة متعددة مستويات التحليل. كذلك أن يتم التمييز المنهجى بين الحديث عن الأقباط كمواطنين وبين الحديث عن الكيان الكنسى. وعليه وجدنا فيضًا من الكتابات- أطروحات فى الداخل والخارج وكتابات تجارية سطحية أحسبها كتابات فرز ثانٍ مع مطلع العقد الأول من القرن الواحد والعشرين- بوعى أو بغير وعى- تجدد النظرة الاستشراقية القديمة لللمجتمع المصرى باعتباره مجتمعًا طائفيًّا يتكون من: جماعات دينية Religious groups فى بعض الكتابات؛ وطوائف Sects فى كتابات أخرى؛ ولا يمكن أن يضل القارئ الخبير الحكم على أن الكتابات الاستشراقية تحمل نظرة «كرومورية» (نسبة إلى لورد كرومر) إلى مصر التى ترى أن المصريين ليسوا أمة فى أية ظروف خلال مدى حياة أى شخص يعيش الآن. وإنما هم تراكم عشوائى من عدد من العناصر المتنوعة. وخطورة تجدد النظرة الاستشراقية يكمن فى أنها تسقط- فيما أتصور عمدًا- من البحث نضالات المصريين المتنوعة- كمواطنين- فى المجالات: الاقتصادية، والسياسية/المدنية، والاجتماعية، والثقافية من أجل محاولة بناء الدولة الوطنية الحديثة والذى تجلى تحديدًا فى فترات النهوض/دورات الصعود خلال القرنين الفائتين. وفى هذا المقام، يتجدد تعبير المسألة القبطية Coptic Question؛ وهو تعبير سيئ السمعة لأنه يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالكتابات الاستشراقية، حيث يرى الأقباط جماعة دينية أو طائفة يعبر عنها الكيان الدينى فى المجال العام، أو فى أحسن الأحوال أقلية تتحرك فى المجال العام ككتلة متماثلة العناصر ومن ثم المصالح. فى هذا المقام، وجدنا الكتابات تتراوح بين: أولًا: كتابات ترى المجتمع المصرى فى حالة مجابهة دينية بين المسيحيين والمسلمين وتجعل الكيان الدينى المسيحى الطرف الذى يمثل المسيحيين فى هذه المجابهة. وثانيًا: كتابات توحى بأنها تتحدث عن حركية الأقباط بينما هى تتحدث عن الديناميكية الداخلية للكيان الدينى عبر مؤسساتها المختلفة. ثالثًا: كتابات تتناول الأقباط فى إطار دراسة الأقليات- على اختلافها- حيث تجمع بين الأقباط والشيعة والبهائيين فى دراسة واحدة. رابعًا: كتابات تشير إلى أنها تدرس إشكاليات مثل الاندماج والهوية والمشاركة ولا تستطيع تطبيقها تطبيقًا منهجيًّا/علميًّا على موضوع الدراسة أو تؤصل تأصيلًا نظريًّا لها أو تتبع مسار بزوغها أو أفولها فى الخبرة المصرية فى السياقات التاريخية المتعاقبة.
(3) أسئلة وأسئلة وأسئلة
وتثير القراءة المتأنية للكتابات الكثير من الأسئلة حول كيفية إجازتها خاصة الأكاديمية منها سواء فى الداخل أو الخارج، خاصة أنها- إضافة إلى المقاربة المرتبكة والملتبسة- تتضمن الكثير من العوار المنهجى والمعرفى نفصله بأمثلة فى مقالنا القادم.
نقلا عن المصرى اليوم