حمدي رزق
لم يخامرنى شك فى نجاح عملية انتشال القاطرة الغارقة «فهد» من أعماق المجرى الملاحى فى قناة السويس، مَن خبر عزيمة رجال القناة، وعاش الأيام الصعبة وسطهم على سطح «كراكة» فى عرض القنال يبيت مطمئنًّا.. القناة فى أيادٍ أمينة.
أتمنى أن تكون هيئة قناة السويس قد سجلت بالصوت والصورة جهود فريق الإنقاذ البحرى وكافة العاملين المشاركين فى «العملية فهد»، ما أعلنه الفريق «أسامة ربيع» رئيس هيئة القناة فحسب إعلان للكافة بنجاح العملية، وطمأنة المصريين على سلامة شريان الحياة.
العملية الإنقاذية التى انطلقت فور الإبلاغ عن غرق القاطرة فهد فجر السبت الماضى وعلى متنها (٧) أفراد من طاقمها كُللت بالنجاح فجر الثلاثاء، ثلاثة أيام عصيبة وطويلة، ليل نهار فى طقس سيئ، وكُللت المحاولات المستميتة لانتشال القاطرة بنجاح دون تأثير على حركة الملاحة فى القناة.
عكس حركة التيارات المائية العنيفة، وفى أعماق بلغت ٢٢ مترًا تحت سطح الماء، وفى ظلمة معتمة، الوصول إلى القاطرة الثقيلة التى يبلغ طولها ٣٤ مترًا، وعرضها ١٠ أمتار، وحمولتها الكلية حوالى ٢٤٩ طنًّا، كان عملية محفوفة بالمخاطر، تتطلب، فضلًا عن الجهد والمثابرة، احترافية وتجهيزات وقاطرات إنقاذ ضخمة وعناصر بشرية مدربة للغوص تحت سطح الماء.
العملية فهد تستحق التسجيل فى سجلات القناة، واحدة من العمليات الناجحة التى لا تقل إبداعًا عن عملية تعويم سفينة الحاويات العملاقة «إيفرجيفن» قبل عامين.
مكتوب على صفحة القناة أن تظل محط الأنظار عالميًّا بإبداعات رجالها الساهرين على سلامة المجرى الملاحى فى القناة، قدَرًا تُمتحن قناة السويس ورجالها كل حين بحادث عارض يجلى معادن الرجال، ويرسم صورة القناة فى العيون، ويوقظ المصريين على شريان الحياة، فيقفون على أطراف أصابعهم وقلوبهم واجفة على سلامة القناة من كل شر..
دعك من هواة الصيد فى المياه الضحلة على شط القناة، إزاء منظومة وطنية احترافية تدير أهم مجرى ملاحى فى العالم، كل شيخ وشاب هنا فى هيئة القناة مستعد للشهادة فى المجرى الملاحى، ما يجرى فى قناة السويس ليس ماء مالحًا فحسب، بل هو ماء ممزوج بالعرق والدماء.
نسجل اسم شهيد القناة «ريس ميكانيكى السيد على محمد موسى» لينضم إلى قائمة الشهداء الأبرار، أرواح الشهداء تظلل القناة، تحميها من كل شر.
العكوسات الملاحية، وهى متوقعة، تنتج أثرها، خبرات متراكمة، تمارين ملاحية حية، التعليم هنا بالدم، وقناة السويس مدرسة عريقة فى الملاحة الدولية، أجيال وراء أجيال يسبحون فى مياه القناة.
وراء المشهد الذى اهتبله البعض نكاية فى نجاحات القناة عملية كبرى لتوسعة المدخل الجنوبى بطول ٣٠ كيلومترًا بأعماق متدرجة تصل إلى ٧٢ مترًا، وبعرض ٤٠ مترًا، وبتكلفة ١٠ مليارات جنيه. تمويل ذاتى من صندوق قناة السويس الذى هاجمه بحقارة بعض المؤلَّفة قلوبهم.
وإلى الشمال تجرى عملية ازدواج الخط الملاحى بطول ١٠ كيلومترات فى منطقة البحيرات الصغرى، ليكتمل مشروع الازدواج الذى خطّه الرئيس السيسى فى بداية ولايته، لتصبح القناة فى اتجاهين، وتصافح قافلة الشمال قافلة الجنوب فى عرض القناة، وهذا كان من الأحلام العظيمة المؤجلة منذ عقود خلت.
انتشال القاطرة فهد دون تعويق الملاحة فى القناة منجز طيب، يغبطك ويُفرح قلبك وتتيه فخرًا بشباب قناة السويس، الذين شمروا عن سواعدهم للغوص فى الأعماق.. صورة الفريق ربيع بين رجاله بألف مما تعدون، على شط القنال الاحترافية بروح البطولة والفداء.
نقلا عن المصري اليوم