مدحت بشاي
ونحن فى بداية صوم السيدة العذراء- وهو الصوم المحبب لكل المؤمنين، فهى مكرمة من كل الأديان ولها سورة باسمها فى القرآن الكريم، ولا أنسى أن أمى رحمها الله قد أضافت سبعة أيام لصيامها صوم العذراء على مدى عمرها لترافقنى شفاعة أم النور وسلامها وأنا أُجرى عملية جراحية وأنا طفل لم أتجاوز الخامسة من عمرى- يُذكرنا قداسة البابا المتنيح شنودة الثالث (الذى نحتفى بمئوية ميلاده هذه الأيام) بأن العذراء مريم كانت الحمامة الحسنة التى حملت لأبينا نوح غصنًا من الزيتون رمزًا للسلام، تحمل إليه بشرى الخلاص من مياه الطوفان (تك 8: 11).
وبهذا اللقب يبخر الكاهن لأيقونتها وهو خارج من الهيكل وهو يقول: «السلام لكِ أيتها العذراء مريم الحمامة الحسنة»، والعذراء تشبه بالحمامة فى بساطتها وطهرها وعمل الروح القدس فيها وتشبه بالحمامة التى حملت بشرى الخلاص بعد الطوفان لأنها حملت بشرى الخلاص بالمسيح.. وقد رافق تجليها فى سماء كنيسة الزيتون بالقاهرة ظهور حمامات نورانية،
وهى التى تشبه «السحابة» لارتفاعها من جهة، ولأنه هكذا شبهتها النبوة فى مجيئها إلى مصر «وحى من جهة مصر: هو ذا الرب راكب على سحابة سريعة وقادم إلى مصر فترتجف أوثان مصر ويذوب قلب مصر داخلها» (أش 19: 1)، وعبارة سحابة ترمز إلى ارتفاعها وترمز إلى الرب الذى يجىء على السحاب
(مت16: 27).
وهى «المجمرة الذهب»: ونسميها (تى شورى)، أى المجمرة بالقبطية وأحيانًا شورية هارون.. أما الجمر الذى فى داخلها ففيه الفحم يرمز إلى ناسوت المسيح والنار ترمز إلى لاهوته كما قيل فى الكتاب «إلهنا نار أكلة»
(عب 12: 29)، فالمجمرة ترمز إلى بطن العذراء الذى فيه كان اللاهوت متحدًا بالناسوت، وكون المجمرة من ذهب فهذا يدل على عظمة العذراء ونقاوتها، ونظرًا لطهارة العذراء وقدسيتها فإن العذراء نسميها فى ألحانها المجمرة.
وهى التى لُقبت بالسماء الثانية لأنه كما أن السماء هى مسكن الله هكذا كانت العذراء مريم أثناء الحمل المقدس مسكنًا لله.
وهى «مدينة الله»، حيث تتحقق فيها النبوءة التى فى المزمور «أعمال مجيدة قيلت عنكِ يا مدينة الله»
(مز86 ) أو يُقال عنها «مدينة الملك العظيم» أو تحقق فيها نبوءات معينة قد قيلت عن أورشليم.. أو صهيون كما قيل أيضًا فى المزمور «صهيون الأم تقول إن إنسانًا وإنسانًا صار فيها وهو العلى الذى أسسها..» (مز 87).
وهى «الكرمة» التى وُجد فيها عنقود الحياة، أى السيد المسيح، وبهذا اللقب تتشفع بها الكنيسة فى صلاة الساعة الثالثة، وتقول لها: «يا والدة الإله أنت هى الكرمة الحقانية الحاملة عنقود الحياة».
وهى «أم النور الحقيقى»، على اعتبار أن السيد المسيح قيل عنه إنه «النور الحقيقى الذى ينير كل إنسان» (يو 1: 9).
وحول أيقونة التجسد وصور السيدة العذراء البديعة فى كل كنائس المعمورة وبيوت المؤمنين برسائلها ودورها العظيم، يحكى لنا عن تفاصيلها أهل الإبداع الدينى والروحى.
■ العذراء وهى تحمل الطفل يسوع نجدها لا تلتفت إليه، وإنما تنظر إلى بعيد إلى مستقبل الأيام وإلى العذابات التى سيراها ابنها الوحيد الذى سيقدم نفسه فدية عن كثيرين، بذلك ترتسم على وجهها صورة ابنها المستقبلية وحزنها يبدو واضحًا على وجهها لأن هذا الابن سيُصلب من أجل خلاص البشر ولكنهم غافلون عن أمر وأهمية هذا الخلاص.
وحول ملابس السيدة العذراء: نجد السيدة العذراء دائمًا تلبس الأزرق والأحمر والأبيض.
■ الأزرق أو السماوى: لأنها السماء التى حل فى بطنها الله ويشير اللون إلى الحق السماوى.
■ اللون الأحمر أو القرمزى: فهو لون معروف بأنه اللون الملكى لا يلبسه إلا الملوك والأباطرة، والعذراء بالطبع تلقبها الكنيسة بأنها الملكة وأم الملك، فهى لذلك ترتدى اللون الأحمر القرمزى.
■ اللون الأبيض: فهو رمز الطهارة، ودائمًا نجد أنها تلبس طرحة بيضاء على رأسها، فهى العذراء الطاهرة النقية بلا دنس ولا غش.
■ الصندل المفكوك: هذا الصندل الذى نلاحظه مفكوكًا فى إحدى قدمى الطفل يسوع ويكاد يسقط منه فهو رمز الفكاك، حيث كان فى العهد القديم «عادة» أن الرجل الذى يموت دون أن ينجب أولًا تتزوج أرملته من أخيه، الابن الأول يُنسب إلى الزوج المتوفى والابن الثانى يُنسب إلى الزوج الحالى وهو أخو الزوج الأول المتوفى حتى يقيم نسلًا لأخيه المتوفى، فلعل يأتى المسيح المنتظر من هذا النسل، وإذا رفض أخو الزوج المتوفى أن يتزوج من أرملة أخيه، كانت تخلع هذه المرأة نعله من رجله، وتبصق فى وجهه، وذلك أمام شيوخ مدينته، ويدعى اسمه مخلوع النعل، فجاء المسيح المنتظر، وقام بفكنا من هذه العادات القديمة أو الطقس اليهودى القديم لأنه لا خوف بعد ذلك لأن المسيح قد جاء بالفعل وكأنه يقول لنا لا تعودوا تتزوجوا أرملة الأخ المتوفى بغير نسل، ومادمت قد جئت فقد فككتكم من هذا لأنى «أنا هو وليس آخر سواى».
مريم العذراء هى الإنسانة الوحيدة التى انتظر الله آلاف السنين حتى وجدها ورآها مستحقة لهذا الشرف العظيم «التجسد الإلهى».. الشرف الذى شرحه الملاك جبرائيل بقوله: «الروح القدس يحل عليكِ وقوة العلىّ تُظلِّلك، فلذلك أيضًا القدوس المولود منكِ يُدعى ابن الله» (لو35:1)، لهذا قال عنها الكتاب المقدس: «بنات كثيرات عملن فضلًا أما أنت ففقتِ عليهن جميعًا» (أم29:31)
هذه العذراء كانت القديسة.. كانت فى فكر الله وفى تدبيره منذ البدء، ففى الخلاص الذى وعد به آدم وحواء قال لهما «إن نسل المرأة يسحق رأس الحية» (تك15:3) هذه المرأة هى العذراء، ونسلها هو المسيح الذى سحق رأس الحية على الصليب.
نقلا عن المصري اليوم