محرر الأقباط متحدون
في ٥ تموز يوليو ٢٠٢٣، أنشأ البابا فرنسيس لجنة الشهداء الجدد - شهود الإيمان، المكلفة بإحصاء جميع المسيحيين الذين ماتوا من أجل الإيمان بيسوع المسيح، في ضوء يوبيل عام ٢٠٢٥. في هذا السياق، جمع موقع فاتيكان نيوز شهادة المطران جاك مراد، رئيس أساقفة حمص وحماه والنبك للسريان الكاثوليك.
اختطف في عام ٢٠١٥ في سوريا واحتجزه جهاديو تنظيم الدولة الإسلامية لمدة ٥ أشهر قبل أن يتمكن من الفرار، كان المطران جاك مراد، رئيس أساقفة حمص وحماه والنبك للسريان الكاثوليك، قريبًا من الاستشهاد. وهدده خاطفوه "ارتدّ وإلا سنقطع رأسك". هذه الجملة، التي صدرت كإنذار أخير، وضعته - هو الذي كان لا يزال كاهنًا في ذلك الوقت - أمام نذور سيامته. "لقد كنت بالضبط في هذا الموقف - كما يتذكر - إما أن أستمر في حمل الصليب حتى الموت مع المسيح محبة بالكنيسة ومن أحل خلاص العالم، أو أن أستسلم ولكن أتخلى هكذا أيضًا عن دعوتي".
لقد فهم أنه سيستمر في حمل الصليب، "ولكن ليس فقط لحمل الصليب، ولكن أيضًا بالتفكير في خاطفيَّ"، كما يقول رئيس الأساقفة ويضيف: "إن العطية التي نلتها من هذه الخبرة هي أن أنظر إلى هؤلاء الأشخاص الجهاديين، بروح الصلاة، لكي أسأل الله أن ينير قلوبهم، وأن يهديهم. ليس من أجلي وإنما من أجل خلاصهم ومن أجل السلام في عالمنا". وهذه الثقة الكاملة المتجددة بالله "حررتني من جميع المخاوف". "عندما تواجه الموت وجهاً لوجه، هناك شعور معين بالخوف يتغلغل في روحك. وفي كل مرة كنت أشعر بهذا الخوف كنت أصلي صلاة المسبحة الوردية، فكان الخوف يزول ويتحول إلى شجاعة".
واليوم أعتبر هذه الخبرة نعمة، نعمة بدأت في اليوم الثامن، قبل غروب الشمس بقليل". ويخبر المطران مراد إنه في نهاية أسبوعه الأول كرهينة تلقى زيارة من محافظ الرقة، دون أن يعرف أن الرجل الذي أمامه هو رئيس الدولة الإسلامية في سوريا. وعندما سألته: "لماذا نحن سجناء، وما الخطأ الذي ارتكبناه لكي نأسر؟"، أجاب الزعيم الإسلامي: "اعتبروا هذه المرحلة مرحلة اختلاء روحي". لقد قلب جوابه هذا بقية حياتي رأسًا على عقب"، يقول رئيس الأساقفة ويعترف بأنه لم يكن يتوقع أبدًا مثل هذا الرد من زعيم متطرف على رأس إحدى أكثر الجماعات دموية، من عدو!، "حتى ولو أنه لا يوجد أعداء لتلميذ المسيح، ولكن إن كان لدينا أعداء فعلينا أن نحبهم". ويواصل المطران مراد تأمله: "كيف يمكنك أن تحب عدوًا يريد قتلك، وأنت تريد قتله؟ هذا هو سر محبة المسيح الذي ظهر بشكل واضح عندما قال على الصليب "يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون". أما هرب المطران جاك مراد فكان في الشهر الخامس من اعتقاله بمساعدة شاب مسلم نظم مع حوالي خمسة عشر آخرين عملية هروب عشرات الرهائن. ويقول الأسقف في هذا السياق "لقد أراد الله أن يخلصني في هذا العالم لكي أتمكن من الاستمرار في الخدمة والشهادة لمبدأ الإنجيل المهم: إذا كنت تريد السلام، فابدأ بفتح قلبك".
وقبل عام من اختطافه في حمص أيضًا، اغتيل الكاهن اليسوعي الهولندي فرانس فان دير لوخت في حديقة ديره. في عام ٢٠١٥، كان الأب جاك مراد يعرف جيدًا ما سيواجهه مع سجانيه الجهاديين، ويخبر "لقد كان الأب فرانس بالنسبة لي ولجميع السوريين مثال الأمانة لربه يسوع المسيح. فقد كرس حياته لمحبة سوريا والشعب السوري". ومثاله، تابع المطران مراد يقول هو مثال المسيح المتجسد الذي يحمل للجميع رسالة محبة الآب "والخلاص الحقيقي لا يأتي إلا بالحب وبذل الذات". وبمناسبة الذكرى العاشرة لوفاة كاهن يسوعي آخر، الأب باولو دالوليو، الذي انقطعت أخباره منذ عام ٢٠١٣، أقيم في روما قداس إلهي وحضر الاحتفال المطران جاك مراد، الذي عاش مع الأب دالوليو حوالي ٣٠ عامًا. فقد شمّر الرجلان عن ساعديهما، وقاما بترميم دير مار موسى معًا. لقد كانا يعرفان بعضهما البعض منذ عام ١٩٨٦، ويقول المطران مراد "عرفت الأب باولو كما أعرف نفسي وأحببته كما أحب نفسي. بالنسبة لي هو شهيد حي. انه حقا شهيد حي أكان ميتا أو كان لا يزال حيًّا".
ويشرح رئيس الأساقفة قائلاً: "الشهيد هو شخص يعيش دائمًا في ذاكرة الكنيسة وفي قلب الكنيسة وفي قلب شعب الله". إن الأب باولو، تابع المطران مراد يقول، قد عضد حقًا حياة الكثير من الأشخاص. "كان الناس يأتون من كل مكان" لكي يلتقوا به. "إذا قمت بتجميع الرسائل، التي نالها أو أرسلها معًا، يمكنك أن تُنتج موسوعة، لقد كان حاضرًا على الدوام للجميع، للصغار كما للكبار، للجاهل كما للحكيم، وللمؤمن كما لأي شخص آخر".
يمكنني أن أشهد أن الصلاة هي الشيء الوحيد الذي أعطى معنى لسجني، ولحياتي اليومية" بالنسبة للمونسنيور مراد أن يكون المرء سجينا هو أسوأ ما يمكن أن يصيب الإنسان المخلوق على صورة الله، "الذي خلق حرًّا، حرٌّ ليفكر، وحرٌّ ليتكلم، وحرٌّ في تحركاته". وأضاف: "لقد أعطانا الله هذه العطية"، وسجن الإنسان هو "عمل يخالف مشيئة الله في خليقته". وفي هذا السياق، يشدد على أن "الممارسة الوحيدة التي تساعد الشخص على عيش هذه الحرية الأساسية هي الصلاة، لأنها هي التي تسمح لنا بأن نخرج من ذواتنا لكي نكون مع الله ولكي نعيش مع الذي نحبه". وخلص المطران مراد إلى القول إنه وللمفارقة شكّلت فترة السجن هذه "أكثر الأوقات خصوبة في حياتي الروحية، وفي علاقتي مع الله ومع العذراء مريم".