صلاح الغزالي حرب
أولا.. د. الخشت:
تحت عنوان (نداء لإنقاذ قصر العينى التعليمى الجديد) في 6 يونيو الماضى وعلى صفحات «المصرى اليوم» توجهت بالنداء إلى وزير التعليم العالى ووزير المالية لإنقاذ هذا الصرح العظيم الذي يعتبر الملجأ والملاذ للملايين من المصريين، بالإضافة إلى كونه يتكفل بعلاج أعضاء هيئات التدريس في جامعة القاهرة والعاملين بها وكالعادة- للأسف الشديد- لم يتحرك أحد! ثم قمت بزيارة رئيس الجامعة د. محمد الخشت لأول مرة في مكتبه بصحبة أستاذنا الفاضل أ. د عبدالجليل مصطفى وكان لقاء تعارفيا طيبا تحدثنا فيه بصراحة عن موقف المستشفى وعلاج السادة أعضاء هيئة التدريس وتأخر دفع مستحقات الأطباء على عملهم عدة أشهر وكانت استجابة د. الخشت سريعة بالوعد بالوفاء باحتياجات هذا الصرح الطبى بالاتفاق والتعاون مع إدارة المستشفى.. ومرت الأيام وتلكأت بعض الصيدليات في صرف العلاجات الخاصة بهيئة التدريس مع إلغاء تعاقد البعض منها مع الجامعة بحجة التأخر في سداد المديونيات (أخبرنى د. الخشت بأن الجامعة غير مسؤولة عن ذلك)، مما أدى إلى غضب واستياء الزملاء وتوقف الكثير منهم عن العمل بالمستشفى لعدم سداد مستحقاتهم.. ومرت الأيام ثم فوجئنا بإعلان المركز الإعلامى لجامعة القاهرة عن مؤتمر صحفى للدكتور الخشت، رئيس الجامعة، في حضور عميدة الكلية ومدير المستشفى وبعض الأساتذة والذى أعلن فيه عما سماه أضخم مشروع لتطوير قصر العينى التعليمى الجديد منذ إنشائه! وفق أحدث الوسائل والنظم الدولية وطرح 4 مراحل لهذا التطوير تستغرق نحو 3 سنوات لرفع كفاءته بصورة كاملة وشاملة لعمليات إحلال وتجديد للبنية التحتية والشبكات والنظم الإدارية وحوكمتها وصولا لتحسين أحوال العاملين وتقديم خدمات طبية متميزة على أعلى مستوى من الكفاءة والجودة (بحسب نص البيان)، ثم قال د. الخشت إنه تم تكليف (جهة)!! بأعمال التطوير إضافة إلى دعمه بمبلغ 10 ملايين جنيه من جامعة القاهرة! وبالطبع فقد فوجئنا جميعا بهذا التطور، ولكن وجدنا- نحن أبناء قصر العينى- أنفسنا نتساءل: أليس من الضرورى والواجب واللائق أن نشارك في إعداد هذا المخطط قبل الإعلان عنه رسميا باعتبارنا أصحاب الشأن؟ ثم ما معنى (جهة)؟ فإذا كان المقصود جهة أجنبية فنحن نتحفظ بشدة لأسباب كثيرة، أهمها أننا نتحدث عن صرح طبى مخصص للمصريين بكل طبقاتهم وإن كنا نتحدث عن جهة مصرية كبرى فلماذا لم يسمها ونحن نرحب بكل جهة مصرية يمكنها أن تقوم بهذا الجهد الكبير والمشكور من أجل المواطن المريض؟ ثم من يحل مشكلة مستحقات الأطباء؟ وللإجابة عن هذه التساؤلات فقد اتصلت بقيادات الكلية والمستشفى فلم أجد عندهم إجابة شافية.
ثانيا.. الأخلاق الرياضية:
منذ التاريخ القديم وهناك إدراك بأن الرياضة لها تأثير إيجابى على الأخلاق، خاصة في مرحلة الشباب، وقد اعتبرها أفلاطون مؤثرة في بناء الشخصية ورأى ضرورة أن يتعلم المحارب الرياضة والموسيقى، وفى منتصف القرن التسع عشر اتجهت بريطانيا إلى إدخال الرياضة إلى مدارسهم لدورها التحفيزى في بناء الشخصية وغرس القيم الإيجابية.. كما شجعت الأمم المتحدة عام 2019 على دمج الرياضة في استراتيجيات منع جرائم الشباب، وأصبح الفوز في المجال الرياضى متناسبا مع الجانب الأخلاقى من خلال إنفاذ قواعد العدالة الخاصة باللعبة واحترامها، وأصبح الفوز من خلال الغش والخداع أو الفساد والرشوة أمرا مرفوضا.. وإذا نزلنا إلى أرض الواقع الرياضى المصرى، خاصة في السنوات الأخيرة فسوف نحزن على الكثير من الأفعال التي لا تمت للأخلاق بصلة فهناك التعصب الأهوج وانعدام الثقافة الرياضية الحقيقية ومستوى تعليم وثقافة اللاعب وعدم الاهتمام بالجانب الأخلاقى في مرحلة الطفولة مع البراعم الرياضية، وكذا ثقافة بعض المدربين (عدد منهم في المراكز الرياضية المختلفة يفتقدون الثقافة الرياضية، كما أن منهم للأسف من يتعصب دينيا بغير رقيب)، أما الإعلام الرياضى فهو بعيد تماما عن جوهر الرياضة.. ومن ناحية أخرى نلاحظ غياب المتعة عن ملاعبنا لغياب الروح الرياضية وعدم الاعتراف بالهزيمة وعدم تهنئة الفائز بل وتعمد إيذاء المنافس وغيرها من الظواهر السلبية اللاأخلاقية التي لم تكن بهذا المستوى من قبل، وهو على النقيض مما نراه بأعيننا في الدوريات الأوروبية من تصرفات متحضرة.. ولا يعنى ذلك أبدا أنه لا يوجد تعصب في كل الأندية لكنه بحدود تحتمها الأخلاق والروح الرياضية.. وخلاصة الأمر فكما ننشد الاهتمام بالتربية قبل التعليم فإننا نطالب بالأخلاق الرياضية قبل ممارستها
ثالثا.. التلوث الغنائى:
تعانى مصر منذ سنوات من التلوث الغنائى، حيث انحدرت الأغنية بصورة ملحوظة (يستثنى من ذلك البعض اليسير من أمثال الحجار ومنير ومن سار على نهجهما)، وقد انعكس ذلك للأسف الشديد على أخلاقيات وتصرفات أطفالنا وشبابنا، بل وامتد ذلك إلى لغة الكلام والتحاور وليس ذلك كما يتصور البعض من قبيل الحنين إلى الماضى وعدم التكيف مع الحاضر وتغير الزمن! وسرعة الحياة! فالفن هو الفن الذي من المفترض أن يسهم في تهذيب الذوق العام وصقله لدى المتلقى وهو الجمال الذي يسمو الإقبال عليه بالإنسان إلى القيم الإنسانية الإيجابية، بالإضافة إلى أنه يسهم في التعرف على قضايا الوطن وطريقة معالجتها بطرق محببة للنفس وجذابة لترسخ في الذهن القيم الإنسانية النبيلة، فأين ذلك فيما نراه على أرض الواقع؟ وأنا أتفق تماما مع الفنان القدير هانى شاكر النقيب السابق الذي وصف بعض مدعى الفن بأنهم لا يعملون بصورة قانونية، وأن دور النقابة هو حماية الشباب من التلوث السمعى، وقال إننا سنسأل أمام الله عما قدمناه للشباب من فن.. وبالمناسبة فإننى أرفض كلمة مطرب مهرجانات لأن المهرجان يعنى بالفارسية (مهر كان) وهو الاحتفال العام الذي يكون عادة في إطار ثقافى أو دينى أما ما نسمعه من هؤلاء المنتسبين زورا إلى الفن فهو لا يمت بصلة للكلام ذى المعنى ولا اللحن الذي يسمو بالروح ولا بالصوت الشجى.. كما أتفق مع الموسيقار الكبير حلمى بكر في رفضه التام لكل مظاهر التلوث الغنائى، وكذلك في إصراره على ضرورة احترام مسمى ما نسمعه.. هل هو غناء أم طرب أم شىء آخر وصفه موسيقار الأجيال الراحل محمد عبدالوهاب بأنه يحرك الأقدام والأيدى ولا يصل إلى الآذان.. فالطرب لغويا يعنى كل ما يثير النفس لفرح أو حزن أو ارتياح، أما هذه الضوضاء التي تصم الآذان والتى تنتشر بقوة للأسف في حفلات الأفراح وتجبر الضيف على مغادرة المكان فهى لا تترك أي أثر يذكر، وتلقى سريعا في غياهب النسيان، فالفن رسالة مقدسة تهدف إلى النهوض بالأمم والارتقاء بالمشاعر وتهذيب الأخلاق ولا يجب أن تكون فقط (لأكل العيش) كما قال أحدهم في الإعلام محتجا على رفض الكثيرين لهذا التلوث وهو يعلم أنه أمى ولا موهبة له.
أطالب بعودة لجان الاستماع المتخصصة في الإذاعة التي تقوم بدراسة الكلمات وتقييم اللحن والحكم على الصوت ويمنع تماما أي تسجيلات غير معترف بها، كما أطالب بالعودة إلى حفلات أضواء المدينة التي من خلالها نتعرف على المواهب الحقيقية، وما أكثرها، وعلى الدولة ودار الأوبرا أن تحتضن الكفاءات وتفتح لهم الطريق لكى نحمى آذاننا وعقولنا من هذا العبث، ويبقى سؤال أخير: أين آمال ماهر التي بدأت متألقة بموهبة نادرة ثم توارت في ظروف غامضة؟.. مصر في حاجة إليها وإلى أمثالها من أجل تنظيف الآذان وإسعاد الروح.
نقلا عن المصرى اليوم