من يقلب وسائل التواصل الاجتماعى يجد صعودا غير مسبوق للروح الطائفية، بما يشبه الوضع فى العشرية الأولى من هذا القرن، والتى بلغت ذروتها قبل أيام من 25 يناير 2011. حكايات وفاء قسطنطين وكاميليا شحاتة، وادعاء احتجاز الكنيسة للمسلمات الجدد، وبلغ الأمر بأحد الكتاب الإسلاميين المعروفين وقتئذ أن ذكر أن هناك أسلحة بالكنائس، وكتب مقالا تحريضيا بامتياز شبه فيه تسليم عزام عزام إلى إسرائيل بتسليم وفاء قسطنطين إلى الكنيسة.

إلى هذا الحد بلغ التحريض، والذى أسفر عن العديد من التوترات الدينية. الآن يعيد المشهد نفسه، مع اختلاف الشخوص، وأسلوب التعبير. بعد اختفاء خلطة الجنس والإثارة والطائفية من الصحافة الورقية، ووجود ضوابط على مناقشة هذه الملفات على الفضائيات، يمثل الفضاء الالكترونى، والقنوات الفضائية التى تبث من الخارج مجالا لمناقشة قضايا الأسلمة والتنصير، والسجال حول العقائد، والطعن فى معتقدات الآخرين. واللافت أن أعدادا كبيرة تشترك فى هذه النقاشات المحتقنة، وبات الأمر أقرب إلى مباريات كرة القدم، يريد كل فريق أن يسجل هدفا فى مرمى الفريق الآخر. وهو ما يستلزم توقفه على الفور، اتقاء لنار الطائفية التى يود البعض أن يزيدها اشتعالا لحرق الدولة ذاتها، خاصة مع تكرار الشعارات الملتهبة التى كانت تروج منذ عشرين عاما مثل: الكنيسة دولة داخل الدولة، اختطاف الكنيسة للمسلمات، تسليم الدولة الفتيات المسلمات إلى الكنيسة، مع تحريض مستبطن على العقيدة المسيحية، واتهامها بالكفر، وهكذا، فإن ما يحدث هو حرب دينية مصغرة على مواقع التواصل الاجتماعى، أكثر من كونها مسألة حرية اعتقاد، وبلغ الأمر أن هناك أحد المنابر المتطرفة على اليوتيوب دعا شباب المسلمين إلى مهاجمة الكنائس، والقصاص من المسيحيين، وتكشف التعليقات المنشورة عن ردود أفعال شديدة الغلو والتطرف. ولا يخفى أن هناك من يرى وجود شبكات أو تنظيمات تقف وراء ذلك، ولعل وجود منابر معروفة على مواقع التواصل الاجتماعى توثق الحالات، وتصل إليها، وتسجل فيديوهات معها، وتنشر وثائق تغيير الديانة الخاصة بها يثبت بالفعل أن هناك تنظيما ما فى الأمر.
 
لك أن تتخيل تأثير الخطاب الطائفى، الذى يتصاعد كل يوم، على جماهير تواجه مشكلات اقتصادية، واجتماعية، وتحديات معيشية قاسية، وتمتلك مزاجا غاضبا مضطربا!
 
هناك حلول يمكن الأخذ به لإنهاء السجالات الملتهبة حول قضايا تغيير المعتقد الدينى، منها أن تكون هناك نيابة مختصة يمثل الشخص أمامها، ويسجل رغبته فى تغيير معتقده الدينى، بحيث تتأكد من عدم ممارسة أى إكراه أو ضغط أو ابتزاز عليه، ويلتقى بأسرته لتأكيد ذلك. وقد يكون أيضا من الحلول المقترحة ما يطلق عليه عودة جلسات النصح والإرشاد التى ألغيت، وكان يسمح فيها للشخص بالجلوس مع ذويه أو شخصية دينية للتأكد من صدق رغبته فى تغيير معتقده الدينى، وانتفاء وجود أية ضغوط عليه. والبعض اقترح أن يضطلع المجلس القومى لحقوق الإنسان بهذا الدور، وآخرون طالبوا بأن يكون ذلك فى محكمة مختصة أمام قاض. هذا بالنسبة للشخص البالغ، العاقل، الذى يملك تحديد مسار حياته، أما بالنسبة للقاصر فى نظر القانون فإنه لا يكفى اعادته إلى اسرته، بل محاكمة من يثبت أنه كان سببا فى التأثير عليه أو اغوائه.
 
وسوف يظل اختيار المعتقد الدينى من الحريات الأساسية للإنسان فى مناخ طبيعى، يتاح لكل شخص أيا كان، طالما أنه يفعل ذلك عن اقتناع، مسلما كان أو مسيحيا، المهم أن يظل شأنا شخصيا بحتا، وتحافظ مؤسسات الدولة على حيادها، ولا يتحول إلى عود ثقاب طائفى فى وقت يعانى فيه المجتمع من أزمات عدة.
نقلا عن الشروق