القمص اثناسيوس فهمي جورج
صعد المسيح الي جبل عال واخذ معه ثلاثة من تلاميذ اختارهم من بين الاثني عشر . وهناك تجلي في مجد عجيب (وتغيرت هيئته καὶ μετεμορφώθη ἔμπροσθεν αὐτῶν) ( اضاء وجهه مثلما اقام نفسه Ⲁϥ ⲧⲱⲛϥ) وكان كضياء الشمس وهو بحق شمس البر الحقيقي والشفاء في اجنحتها ، كذلك كانت ثيابه تلمع بلمعان نور الهي لايدني منه ، ولايقدر اي قصار ان يبيض ثيابه كبياض ثياب مجده القدوس ، وجمع معه موسي صاحب الناموس اتي به من موته ليمثل المتزوجين ، وايضا ايليا النبي بنبواته اتي به من كورة الاحياء ليمثل البتوليين . وقفا الي جواره وطفقا يتكلمان عن موته علي الصليب الذي كان مزمعا ان يتم في جلجثة اورشليم ، وكانا يتكلمان عن تدبير فدائه الذي كان لابد ان يتم بتجسده وبالامه العجيبه المحييه التي ستتم ، وفقا للناموس وللانبياء ، اللذان وقفا في حضرته كحضره الرمز امام المرموز اليه ، وانه بشهادتهما معا يستعلن الرب بواستطهما لان ما اعلنه ناموس موسي ثبتته نبوات الانبياء . انه سيد ورب الناموس والانبياء ، اله الاحياء والاموات ، وله السيادة والسلطان علي الحياة والموت ، ما فوق في السموات وماتحت الارض . فحضور موسي وايليا استحضار للاحياء وللذين ذاقوا الموت . فحينما ظهر هذان لم يبقيا صامتين ، بل تكلما مع السيد عن مجده العتيد ان يكمله . والذي شهد له التلاميذ شهادة مثلثة ، بشهادة عيان عن مساكن مجد الملكوت وعن صورة جسد المجد المفتدي . لقد اتي هناك صوت الاعالي صوت الله الاب قائلا : هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت ، له اسمعوا . ولما كان الصوت وجد يسوع وحده " مت ١٧ : ٥ ؛ لو ٩ : ٣٦ . فهاهو الاب في وجود موسي وايليا يوصي التلاميذ القديسين ان يسمعوا للابن الكلمة وحده .
انه تجلي العبد المتالم الذي قبل عار الالام بارادته وسلطانه وحده ، لكنه سبق واراهم سر مجد لاهوت تجليه ، لانه الغالب الذي تألم Vincit qui Patitur
كي يستعلن الجمال الالهي للبشرية علي جبل طابور ، اذ ان تجليه امام مرأي التلاميذ ، اظهر به مجده واستعلن في شخصه الطبيعة البشرية التي ترتدي الجمال الاصلي للصورة . جمال الخلاص والفداء والتبرير والغفران والتبني الذي منحه لنا بمجد الالامه المحييه . بهاء واشراق ولمعان في وجهه هو ( الرأس ) ، وفي ثيابه نحن( جسده ) .ذلك المجد الذي صنعه بالاخلاء وبموت حبه الحنطة في معصرة جثسيماني وعلي رابية الجلجلة . ذلك التجلي نوره غير المادي ، الذي يشرق فينا علي قدر مانحتمل رؤيته . مجد متقد بالاشراق الازلي واللا متناهي ولا مقترب منه . نور فائق الجوهر ومجد يفوق الوجود .انه مجد عتيد ومزمع ان يكون لنا في الدهر الاتي . ذاك الذي سبق وعايناه في الثيؤفانيا وانوار الظهور الالهي ، الشاهد للابن الحبيب الذي به سر الاب ، ونزل عليه الروح القدس واستقر كحمامة وكسحابة من نور . فتجليه لم يزده شيئا فالمجد الازلي الذي له لم يختف قط ولم ينقص قط .لكنه انكشف بانفتاح اعين تلاميذه الذين صعدوا ليرتقوا فوق دنايا العالم . فالمسيح يظل كما هو من قبل ، اذ ان تجليه الذي له صار مكشوفا للرسل التلاميذ الثلاثة . فمجد التجلي لايعلن فقط مجد الثالوث وهو ليس فقط مجد المسيح الهنا ، بل وايضا يعلن مجد الطبيعة البشرية المفتداه والتي خلصت بالتدبير الخلاصي الثمين . لذلك عيد التجلي ليس كشف ماهو لله بل ما نالته طبيعتنا التي حملها هو فيه وباركها ورفعها واحياها ، وماستكون عليه من رفعه وارتقاء وتالق مجيد ، عندما تعتق من عبودية الفساد ، وتدخل الي حرية مجد اولاد الله عند ظهوره الاخير ، وبدايات الارض الجديدة والسماء الجديدة . لا طريق للتجلي ابدا الا عبر الالام ، وشهود التجلي هم فقط شهود الالام ، انه ارتباط اساسي بين الالم والمجد ، بين جبل التجلي وسط الناموس والانبياء ، وبين جبل الجلجثة وسط اللصين ، فمن قبل صليبه والامه وحده ( العريس الدامي ) تكون القيامة والتجلي ( مع العريس لامع الضياء والبهاء ) ، والذين يتالمون وحدهم هم الذين سيتمجدون ويمجدون ايضا ، فلنحمل صليبنا ونمات كل نهار كي نفرح بمظال مجده ونعاين ضياء لمعان ملكوته ونخلص بجماله وبوهج خلاصه ،كمائتين وهانحن نحيا .. وكحزاني ونحن دائما فرحون .