عبد اللطيف المناوي
يمر العالم بأزمات وتحديات وصراعات تتسبب جميعها فى زرع الشكوك وطرح التساؤلات حول مستقبل الاقتصاد، ولعل أكثر التساؤلات والشكوك التى تتردد منذ فترة هو ما يخص توقع مستقبل الدولار ووضعه فى الاقتصاد العالمى.
وتتراوح التوقعات ما بين استمرار سيادة الدولار بموقعه الرئيسى فى قيادة حركة الاقتصاد، وبين حد التوقع بأن نهاية الدولار قد حانت!.
وأظن أن التحول الأخير فى المشهد الدولى هو ما أثار الجدل حول مستقبل الدولار الأمريكى وإمكانية انخفاض دوره كعملة عالمية رائدة، لذا قد يكون من المناسب الآن فهم حكاية الدولار فى الاقتصاد العالمى، وكيف أصبح منذ عقود عملة الاحتياطى الرئيسية فى العالم، لأن ذلك يساعدنا فى محاولة وضع توقعات منطقية لمستقبله.
لسنوات طويلة، استمتع الدولار الأمريكى بوضع فريد كعملة رئيسية للتجارة الدولية والاستثمار، وكأصل احتياطى تحتفظ به بنوك الاحتياطى العالمية، وقد منح ذلك الولايات المتحدة مزايا اقتصادية وجيوسياسية مهمة، ما سمح لها بالاقتراض بأسعار فائدة أقل وممارسة نفوذ على نطاق عالمى، ومع ذلك، فإن هناك عدة عوامل تتحدى هذا التفوق الواضح للدولار.
عامل مهم هو صعود اقتصادات كبرى أخرى، لا سيما الصين. حيث أصبحت عملتها اليوان (أو الرنمينبي) تستخدم على نطاق أوسع فى المعاملات الدولية، لقد سعت الصين بنشاط إلى جعل اليوان عملة منافسة للدولار من خلال مبادرات مثل مبادرة «الحزام والطريق» وإقامة اتفاقيات تبادل تجارى مع مختلف البلدان، ما يتيح إجراء التجارة مباشرةً باليوان.
عامل آخر وهو استخدام العملات الرقمية المتزايد، لا سيما العملات المشفرة مثل البيتكوين، حيث أثار استخدامها مؤخرًا تساؤلات حول دور العملات الورقية التقليدية فى الاقتصاد العالمى، رغم صعوبة أن تحل العملات المشفرة محل العملات الوطنية، لكنها باتت تشكل تحديًا للأنظمة المالية التقليدية.
النقاشات المستمرة حول مستقبل الدولار تتعقد بسبب تحديات الاقتصاد الأمريكى ذاته، وهو عامل آخر يهدد تفوق الدولار، حيث يعانى الاقتصاد الأمريكى من مستويات عالية من الديون وعدم توازن تجارى وزيادة فى عجز الميزانية، وهى الأمور التى أثارت مخاوف بشأن استدامة موقع الدولار الرائد.
وقد أظهرت الأزمة المالية فى عام 2008 ضعف الاعتماد بشدة على عملة واحدة، ما أدى إلى مناقشات حول الحاجة إلى نظام نقدى عالمى متعدد الأوجه.
ولكن مع كل ذلك، فإن الولايات المتحدة مازالت تتمتع بأكبر اقتصاد فى العالم، وتضم سوقًا مالية قوية، وتاريخًا من الاستقرار، وأن الدولار يتمتع كذلك بسهولة فى تحويله إلى أصول أخرى، وعلاوة على ذلك، فإن الاقتصاد العالمى متشابك بعمق معه، ما يجعل أى انتقال مفاجئ بعيدًا عن العملة الأمريكية يتطلب تنسيقًا دقيقًا بين الدول، ويمثل تحديًا كبيرًا ربما يسبب اضطرابًا.
كل ما سبق يمنحه ميزات فريدة تجعلنا نقول بأريحية إن مستقبل الدولار فى الاقتصاد العالمى هو مسألة معقدة جدًا، نعم، هو يواجه تحديات كبرى، لكن لا يمكن بأى حال من الأحوال تجاوز أهميته التاريخية ودوره فى الاستقرار الاقتصادى.
نقلا عن المصري اليوم