فى مناسبه عيد التجلى المجيد . اقدم لكم مقاله هامه : لابينا مثلث الطوبى والرحمات الانبا غريغوريوس . اسقف عام الدراسات اللاهوتيه والثقافه القبطيه والبحث العلمى .
اعدها وقدمها : مجدى سعدالله .
يقع هذا العيد من اعيادنا السيده فى الثالث عشر من شهر مسرى ويوافق حاليا 19 اغسطس وفيه تجلى الرب بمجده الحقيقى على جبل شاهق اسمه جبل طابور . وبذلك كشف عن مجده الاسنى .
تغيرت هيئاته متجليا امام ثلاثه من اخص تلاميذه . ( بطرس . ويعقوب ويوحنا . ) التلاميذ الاثنى عشر كانت لهم مستويات مختلفه . وكان الرب يعلن للملتصقين منهم به بدرجه اكبر . اعلانات سماويه اعظم . ذلك لان قاماتهم الروحيه كانت تسمح بذلك .
ومن هذا نخرج بان تلاميذ المسيح كانوا فى دوائر متداخله تتسع تدريجيا . حيث نجد فى مركزها الرب نفسه وفى اقرب دائره اليه نرى يوحنا الحبيب .وفى الدائرة التاليه بطرس ويعقوب . وفى الثالثه باقى التلاميذ الاثنى عشر . وفى الدائرة الرابعه نجد السبعين رسولا . وبالخامسه نشاهد لفيفا من تلاميذه الاخرين .
على جبل التجلى وقبل رحله الالام . تلقى التلاميذ ( بطرس . ويعقوب ويوحنا ) ابهى الدروس العمليه عن المجد السماوى .لقد ذاقوا ونظروا مجد الرب . فحل الرجاء فيهم . واستطعموا حلاوة المجىء الثانى . وطبعوة على قلوبهم . وطافوا به فى كل مكان ينشرون صورة . ويخدمون غير العارفين . ليذوقوا معهم . وينظروا مجده العتيد .
ان ما ذاقوه وما نظروه قتل فيهم الخوف من الموت وجعلهم اقوياء . عرفوا ان القوة ليست فيمن يقتل انما فيمن لا يخطىء ولا يهاب الموت . نظروا للتجلى وادركوا لمن يكون مجد المجىء الثانى . راوا موسى الهادى الحليم . وايليا القوى الغيور . راوهم تحت ظل المسيح فعرفوا ان المجد فى المجىء الثانى يكون لمن عاشوا بالقوة والهدوء تحت جناح الحكمه . ( المسيح المذخر فيه كل كنوز الحكمه والمعرفه )
ما الذى حدث فى التجلى ؟
ان التعبير العربى ( تجلى ) هو بمعنى ( ظهر) او ( انكشف Mete Morphothe
وهى الكلمه التى وردت فى الانجيل بحسب ما كتب القديس ( مت 17 : 2 ) ( مر 9 : 2 ) والمعنى الحرفى لهذه الكلمه اليونانيه هو
( تغير الصورة او الشكل الخارجى ) وبحسب القديس لوقا ( تغير منظر وجهه ) والمعنى واحد .
ان اول مظهر للتجلى حدث للسيد المسيح هو تغير فى منظر وجهه . والتغير ليس بمعنى تبدل فى طبيعه الوجه . ولكن بنور غمر الوجه واضاءه واشرق منه . فصار الوجه منيرا ومشعا بالنور
. قال الانجيل ( فاضاء وجهه كالشمس ) مت 17 : 2
وضياء الوجه كالشمس معناه ان النور فى وجه السيد المسيح كان من شده اللمعان وقوه الوهج . بحيث يخطف البصر فلا يقوى احد على ان يواجهه او يثبت فيه نظره . ولابد ان النور كان اقوى من نور الشمس . لان التلاميذ
( سقطوا على وجوههم ) مت 17 : 6
ليس احد يسقط على الارض بسبب نور الشمس . كما ان عيونهم عشيت من قوة البهاء فصاروا ( مثقلين بالنوم ) لو 9 : 32
لم يكن نوم . لكنه حاله من العجز التام فى مواجهه النور الوهاج . فتمسى به العين غير قادره على ان تتفتح لتواجه شدة الضوء . فتضطر الى ان تنغلق تلقائيا .
وكذلك يلحق بالمخ والجهاز العصبى نوع من الشلل . فيفقد الانسان الحس والاحساس بوجوده . كما انه يغيب عن الوعى . بمعنى انه من فرط قوة اشعه النور عليه . يصيبه شلل . فيفقد الحس والوعى ويذهب عنه الادراك بنوعيه الحسى والعقلى . وهذا ما عبر عنه الانجيل بالنسبه للرسول بطرس :
( لم يكن يدرى ما هو قائل ) مر 9 : 6
(ولم يكن يعى ما يقول ) لو 9 : 33
ولعلنا نجد فى وصف القديس يوحنا فى سفر الرؤيا وصفا يفيد فى بيان قوة النور وبهاءه عندما راى المسيح متجليا قال :
( ووجهه يضىء كالشمس فى ابهى شروقها ) روء 1 : 16 وهذا توكيد على ان نور المسيح فى التجلى كان اقوى من نور الشمس . وانما اضاف الى ذلك قوله ( فى ابهى شروقها)
وليس هناك تعبير فى لغه البشر اقوى من هذا التعبير الذى يشبه نور المسيح فى وجهه عندما يتجلى وينكشف ويظهر على حقيقته . بنور الشمس فى قوتها وعند اشتداد ضيائها ولمعانها وهى فى كبد السماء .
ويضيف الرسول يوحنا فى سفر الرؤيا فيقول : (فلما رايته وقعت عند قدميه كالميت ) روء 1 : 17 وهذا ابلغ تعبير فى لغه الانسان يقرب الينا . كيف كان النور المنبعث من وجه السيد المسيح من القوة والسطوع بحيث لا يقوى احد من الناس على ان يواجهه ويظل حيا . اذ هى اقوى من احتماله . وكما قال الله لموسى النبى : ( لا يرانى انسان ويعيش )
خروج 33 : 20
وشبيه بهذا نور المسيح الذى راه القديس بولس وهو فى طريقه الى دمشق :
جاء فى سفر اعمال الرسل : ( وفيما هو ذاهب وقد اقترب من دمشق سطع حوله نور من السماء فوقع الى الارض ..فنهض شاول عن الارض وهو لا يبصر شيئا مع ان عينيه كانتا منفتحين . فاقتادوه بيده ودخلوا به الى دمشق فلبث ثلاثه ايام مكفوف البصر لاياكل ولا يشرب )
وقال القديس بولس نفسه يصف بهاء النور الذى ظهر له ( فحدث بينما انا سائر وقد اقتربت من دمشق سطع فجاة حولى عند الظهر نور باهر من السماء . فسقطت على الارض …والذين كانوا معى . نظروا النور وارتعبوا …. على انى عدت لا ابصر لشدة بهاء ذلك النور . فاقتادنى رفقائى باليد فجئت الى دمشق . وكان فى دمشق رجل اسمه حنانيا تقى كما تقضى الشريعه . يشهد له يهود دمشق جميعا شهادة حسنه . فاتى الى ووقف عندى وقال لى : يااخى شاول ابصر ففى تلك الساعه نظرت اليه ) اعمال 22 : 6 - 13
ومن ذلك يتضح ان نور المسيح له المجد والذى ابرق حول القديس بولس انه كان نورا من السماء . وانه كان اشد ضياء من نور الشمس وانه بسبب قوة هذا النور سقط هو والذين معه من الرجال الى الارض وانه من شدة بهاء ذلك النور ظل وهو منفتح العينين لا يستطيع ان يرى شيئا لمده 3 ايام ولذلك اقتاده الذين مع بيده ودخلوا به الى دمشق وبقى فى البيت الى ان ذهب اليه القديس حنانيا الرسول ووضع القديس حنانيا يديه عليه فابصر بعد ان سقط منهما شىء كانه قشور. .
لقد تجلى الرب يسوع بمجده الحقيقى على جبل شاهق وبذلك كشف عن مجده الاسنى .فتغيرت هياته متجليا امام ثلاثه من اخص تلاميذه الاثنى عشر . لقد تغير منظر وجهه . فاضاء كالشمس وصارت ثيابه بيضاء كالنور . متالقه كالبرق . ناصعه البياض كالثلج . حتى ليعجز اى قصار على الارض عن ان يجعلها فى مثل بياضها .
ثم ظهر موسى وايليا . وقد تراءيا فى مجد وكانا يتكلمان مع يسوع عن انطلاقه الذى كان مزمعا ان يتممه فى اورشليم . اما بطرس واللذان معه . فقد كانوا مثقلين بالنوم . فلما افاقوا شاهدوا مجده . والرجلين الواقفين معه . وفيما هنا منصرفان عنه . قال بطرس ليسوع : ( يارب جميل ان نكون هنا . فان شئت . فدعنا نصنع هنا ثلاث مظال : واحدة لك . وواحدة لموسى . واحده لايليا. )
. اذ لم يكن يدرى ما هو قائل . فقد استولى عليه رعب شديد . وفيما هو يقول ذلك . اذا سحابه من نور ظهرت وظللتهم . فخافوا وهم يدخلون فى السحابه . واذا صوت جاء من السحابه يقول : هذا هو ابنى الحبيب الذى به سررت فله اسمعوا .
فلم سمع التلاميذ هذا سقطوا على وجوههم . وخافوا جدا . فجاء يسوع اليهم ولمسهم قائلا : قوموا لا تخافوا . ثم فجاة رفعوا اعينهم ونظروا حولهم فلم يروا احدا الا يسوع وحدة . وفيما هم نازلون من الجبل اوصاهم يسوع قائلا : (لا تخبروا احد بما رايتم الا متى قام ابن الانسان من بين الاموات . فكتموا هذا الامر فى انفسهم متسائلين فيما بينهم : ما القيامه من الاموات . ولم يخبروا احدا فى تلك الايام مما راوا . )
كان للتجلى ملابساته واسبابه : فقد كان السيد المسيح يريد ان يكشف حقيقه من هو لتلاميذه . وللمومنين من بعدهم . خصوصا وانه ➖وهو الله الكلمه ➖قد اتخذ جسدا اتحد به . فصار لاهوته محجوبا بناسوته . فظنه الناس . ومن بينهم التلاميذ انسانا اى مجرد انسان (يو 9 : 11) ( يو 10 : 23 )
( لو 24 : 19) او مجرد نبى ( مت 21 : 11) او كانه احد الانبياء ( مر 6 : 15 ) او على الاكثر نبيا عظيما . اى مجرد نبى عظيم ( لو 7 : 16 )
فكان لابد ان يكشف لهم عن طبيعته فى ذاته . ويظهر لهم حقيقه لاهوته المحتجب فى ناسوته . وبالاخص لانه قد قاربت مهمته على الارض نهايتها . واقتربت ساعه صلبه وموته لتحقيق الفداء والخلاص الذى من اجله نزل من السماء ( يو 12 : 27)
قال الانجيل : ( ومنذ ذلك الوقت بدا يسوع يبين لتلاميذه انه ينبغى ان يمضى الى اورشليم ويعانى الالام من الشيوخ وروساء الكهنه والكتبه ويقتل ثم فى اليوم الثالث يقوم ) فاخذه بطرس اليه وراح يكلمه بعنف قائلا : ( حاشاك يارب ان يحدث لك هذا ) فالتفت وقال لبطرس 😞 اغرب عنى ياشيطان . لانك لا تفكر فيما لله بل فيما للناس )
( مت 16 : 21) ( مر8 : 31) ( لو 9 : 22 )
نعم . عندما تجلى المسيح له المجد
( تغير منظر وجهه ) ( فاضاء وجهه كالشمس ) . وهنا يجب ان نلاحظ ان النور الذى اضاء وجهه لم يكن من الخارج وانما كان من الباطن . كان منه ولم يكن من غيره . كان منبعثا منه ولم يكن منعكسا عليه . كان المسيح هو النور .ولم يكن هو عاكسا للنور .
ان النور الذى اضاء وجه السيد المسيح لم يكن من الخارج . انما كان من باطن . كان منه ولم يكن من غيره . كان نابعا منه . وخارجا ومنبثقا منه . لانه هو النور :
( النور الحقيقى الذى ينير ) يو1 : 8 لذلك اضاء وجهه بلمعان ابهى واقوى من لمعان الشمس . وبهائها . واضاء كل الوجود من حوله . وكان طبيعيا ان يضىء ثيابه .
( فصارت ثيابه بيضاء كالنور متالقه كالبرق ناصعه البياض كالثلج حتى ليعجز اى قصار على الارض ان يجعلها فى مثل بياضها . )
( مت 17: 2 ) ( لو 9 : 29 ) ( مر 9 : 3 )
لقد عاش كل شهود التجلى الثلاثه . عاشوا وماتوا وكانوا فى كل حياتهم يشهدون لعظمه السيد المسيح وجلاله وجماله وبهائه .فقد امنوا بلاهوت . اذ راوا بعيونهم ما وراء الحجاب . واستطاعوا ان يدافعوا عن حقيقه لاهوته المستتره وراء حجاب ناسوته .
القديس بطرس ظل طوال حياته يكرز بمجد لاهوته ( فاننا لم نتبع خرافات مصنعه اذ عرفناكم بقوه ربنا يسوع المسيح ومجيئه لاننا بعيوننا راينا عظمته فقد نال من الله الاب اكراما ومجزا وجاءه من المجد الاسنى صوت يقول هذا هو ابنى حبيبى الذى انا به سررت . وقد سمعنا نحن هذا الصوت اتيا من السماء اذ كنا معه على الجبل المقدس ) 2بطرس 1: 16
اما القديس يوحنا فهو الرسول الذى اشتعل قلبه بمحبه سيده ولهذا. انشد يقول متاثرا بما راىً على جبل التجلى :
( ذاك الذى كان من البدء . ذاك الذى سمعناه . ذاك الذى رايناه بعيوننا . ذاك الذى تاملناه . وذاك الذى لمسته ايدينا من كلمه الحياه . فان الحياه تجلت فرايناه ونشهد ونبشركم بالحياة الابديه التى كانت عند الاب وتجلت لنا . ذاك الذى رايناه وسمعناه نبشركم به ) 1 يوحنا 1 : 1
لقد حجب ( المسيح الله ابن الله الحى ) لاهوته فى ناسوته بتجسده . اذ اتخذ جسدا من طبيعه جسدنا اتحد به واستتر به . وكان لابد من ان يحجب لاهوته عندما نزل على الارض . والا احترقت الارض ومات من وما عليها ( الخروج 20 : 19 ) لان الهنا هو نار اكله .( عبر 12 : 29
وحتى لا تغيب عن تلاميذ المسيح هذه الحقيقه . ويجهلون من هو المسيح فى حقيقته الباطنه . اراد ان يكشف عنها على الجبل للخاصه من تلاميذه فيكونوا على بينه منه . وعلى يقين من تلك الحقيقه التى عبر عنها القديس بطرس عندما ساله السيد المسيح ( وانتم من تقولون انى هو ) فاجابه بطرس ( انت هو المسيح الله ابن الله الحى )
(لو 9: 20).
فان هذه الحقيقه هى الصخره التى بنى السيد المسيح كنيسته عليها ( مت : 16 : 18 ولابد ان يرى بعض من التلاميذ بعيونهم بينه عليها ولمحه منها على قدر ما احتمل عيونهم ان ترى . ومع ذلك اوصاهم قائلا :
( لا تخبروا احدا بما رايتم حتى يقوم ابن الانسان من بين الاموات ) مت 17: 9 وذلك حتى يظل فى المفهوم العام بين الناس على الارض الى يوم قيامته فى صورة الانسان الى ان يتمم عمل الفداء المجيد الذى من اجله نزل من السماء .
بركه عيد تجلى ربنا يسوع المسيح على جبل طابور تشملنا جميعا . امين
اعدها لكم : مجدى سعدالله
الباحث فى التاريخ القبطى