سمير مرقص
(1) «تمهيد»
فى نوفمبر من سنة 1978، أصدر الدكتور غالى شكرى كتابه المعنون: «الثورة المضادة فى مصر» (عن دار الطليعة البيروتية فى 500 صفحة). ومن حسن حظى أن وقعت الطبعة الأولى من الكتاب فى يدى وهى الطبعة التى رسم غلافها الفنان الكبير «جورج البهجورى» وكانت عبارة عن «بورتريه» بديع للرئيس السادات. عُد الكتاب آنذاك فتحا معرفيا ومنهجيا فى مجال «سوسيولوجيا الثقافة»؛ ما أتاح بلورة صياغة نظرية لحركية الواقع الاجتماعى- الثقافى. ومن ثم قراءة جديدة لتاريخ مصر الحديث وتحولاتها الثورية والثورية النقيض. فى القسم الثالث من الكتاب: «الثورة المضادة تواجه المأزق»؛ أسس «غالى شكرى» فى الفصل الأول منه المعنون: «اليمين الدينى يُشهر السلاح»؛ مقاربة مبتكرة للمسألة الدينية فى مصر: الإسلامية والمسيحية. قامت مقاربته على رصد مسار تلك المسألة فى المجالين المسيحى والإسلامى منذ سنة 1954. كما قام برصد موقف التجربة الناصرية من الدين والمؤسسة الدينية «بشقيها المسيحى والمسلم». وموقف ما يمكن وصفه بيوليو المضادة «الساداتية» التى «تدينت» وخلقت مأزقا طائفيا «مركبا» بامتياز فى مصر يقوده يمين رسمى من جانب و«يمينان»: دينى وليبرالى من جانب آخر، أخذوا مصر إلى: أولا: الإخفاق الاقتصادى والسياسى، وثانيا: الغرق فى موجات من الإرهاب الدموى المتعاقب، وثالثا: الاحتقان/ الاستقطاب الطائفى الحاد... ما سبب ذكرنا لهذا الكتاب؟.

(2) «اقتطافات/ اقتطاعات: مبتورة ومبتسرة»
واقع الحال ساهم كتاب «الثورة المضادة فى مصر؛ بما طرحه من منهجية جديدة فى مجال علم الاجتماع السياسى/ الدينى من جانب، والاشتباك من ثم مع الواقع السياسى/ الاجتماعى/ الثقافى من جانب آخر، فى نقل الكتابات التى تتناول المسألة الدينية/ الشأن القبطى فى مصر، مع منتصف الثمانينيات، من مرحلة الكتابة من منظور الجماعة الوطنية إلى مرحلتى الكتابة التحليلية المجتمعية، فالكتابة متعددة مستويات التحليل (راجع تصنيفنا السداسى المراحل للكتابات التى تناولت الشأن القبطى)... إلا أن هناك من الكتاب من اقتطعوا من نص «غالى شكرى» المعلومات والأفكار المثيرة دون تأصيلها التاريخى وبنائها التحليلى وأعادوا صياغتها صياغة صحفية شديدة الإثارة منبتة الصلة عن السياق الذى كتبت فى إطاره بما يخدم الرؤية الضيقة- فى الغالب- لهؤلاء الكتاب. وهى رؤية تفرض- أرادوا أو لم يريدوا- كتابة تتسم بـ «التسييس السطحى» فى تناول هكذا قضايا. والأخطر هو اجترار كثير من الكتابات السطحية والأطروحات التى لا تطرح جديدا لنفس الاقتطاعات المبتسرة/ الاقتطافات المبتورة دون قراءة نقدية بالرغم من مرور عقود على كتابتها. والمفارقة أن صاحب الأفكار التى يتم اقتطاعها بشكل سطحى قد طور أفكاره فى هذا المقام من خلال كتب لاحقة. لم يحدث ذلك فقط مع كتاب «غالى شكرى» وإنما مع آخرين ممن لهم مساهمات أصيلة ومعتبرة فى هذا المقام. تكرر ما سبق فى كثير من الكتابات التى صدرت على مدى العقدين الأخيرين.

(3) «خلاصة دراسة الشأن القبطى فى العقدين الأخيرين»
المحصلة، أنه ومن واقع مراجعة ما يقرب من 20 إصدارا تناولت الشأن القبطى، فى العقدين الأخيرين باللغتين العربية والإنجليزية، نستطيع القول بأن هناك تراجعا كبيرا فى هذا المجال. ويمكن إيجاز هذا التراجع فى التالى: أولا: انطلاق الكتابة من على أرضية التحيز لمفهومى الطائفة الدينية أو الأقلية السياسية دون تقديم ما يدعم هذا التحيز أو ذاك. وفى أحيان كثيرة يتم الخلط بينهما. ثانيا: عدم القدرة المنهجية/ المعرفية على التمييز بين حركية الأقباط كمواطنين فى المجال العام وبين حركية المؤسسة الدينية، فالأمران سيان. ثالثا: كذلك غياب أى تأصيل تاريخى للتنظيمات التى يتم ذكرها من حيث: تأسيسها، ومسارها، ودورها، كما فى حالتى المجلس الملى، ومدارس الأحد. رابعا: اعتماد منهج المقابلة فى تحليل مواقف وتصورات بعض الشخصيات وبعض التنظيمات فى الشأنين المسيحى والإسلامى، كما فى حالة التقابل، مثلا، بين حبيب جرجس وحسن البنا، أو الأسر الجامعية وجماعة شباب محمد،...، إلخ، بالرغم من اختلاف الدوافع والأهداف. خامسا: غلبة النهج «الكرومورى» (نسبة إلى اللورد كرومر) و«الاستشراقى» فى تحليل الشأن الدينى المصرى، ما يمثل ردة عن التقدم الذى بلغه مسار الكتابات التى تتناول الشأن الدينى/ القبطى فى هذا المقام. سادسا: الاعتماد فى الإحالات المرجعية والمصادر إلى اقتطاعات/ اقتطافات متحيزة ومجتزأة، ومصادر ثانوية، وحواديت متواترة، وإعادة إنتاج لسرديات قديمة، وإهمال تقليد أكاديمى راسخ يتمثل فى رصد الكتابات السابقة، العجز عن تطوير الكتابات التى تتناول الشأن القبطى بجديد المناهج فى الحقول المعرفية ذات الصلة بالشأن الدينى.
نقلا عن المصرى اليوم