د. أمير فهمي زخارى 

مثل يردده الكثيرون دون معرفة حقيقية بأصل العباره..
تتميز اللغة العامية المصرية اليومية بكثير من التعبيرات اللفظية والأمثال التى يتداولها المصريون بصفة مستمرة، وعبر أزمنة متعاقبة وفى مواقف معينة يضيفون إليها أو يعدلون من صياغتها لتتوافق مع ما يستجد من مواقف، فتأخذ هذه المقولات والتعابير موقف الحكم...
 
وتعد المحسوبية أو الوساطة من أكثر ما قيل فيها من الأمثال، فيقول المصريون عن الشخص الذى يتمتع بامتيازات يحظى بها دون غيره لقرابته من ذوى النفوذ والسلطة أو لرضاء أصحاب القرار عنه، ‹‹يا بخت من كان النقيب خاله›› و‹‹اللى له ضهر ما ينضربش على بطنه››،
 
 وتقال هذه المقولات والأمثال عند وجود محسوبية فى العمل أو فى جميع نواحى الحياة، وهناك الكثير من الأمثال التى تدل على تغلغل وتأصل المحسوبية فى تاريخ العمل الرسمى فى مصر.
 
نيجى بقه لأصل المثل " يبخت من كان النقيب خاله"
 
 فمن هو النقيب؟
 هو الرجل الذى تم أتهامه بأنه أقام بيتا مخلا بالآداب العامة في مستشفي المواساة، وتم أتهامه بجلب ممرضات للملك فاروق من فرنسا وإيطاليا لقضاء ليالى حمراء معهن، وعاقبته محكمة الثورة بالأشغال الشاقة المؤبدة، ومات في سجنه..
 
 هو الدكتور احمد باشا النقيب، والذي أنشأ مستشفي المواساة بالإسكندرية والذي كان يعتبر وقتها واحدا من أفضل 10 مستشفيات على مستوي العالم، أضافة الى انه كان الطبيب الخاص للملك فاروق والأسرة المالكة، وقد تزوج أبنه أدهم من الملكة ناريمان بعد طلاقها من الملك فاروق وأنجب منها المرحوم أكرم أدهم النقيب المحامي والذي توفى في 14 فبراير 2018..
 
في عام1927 قدم الدكتور أحمد باشا النقيب فكرة إنشاء مستشفي يخدم المصريين والأجانب ويكون علي أعلي مستوي من الكفاءة الطبية، وبالفعل وافق مجلس ادارة الجمعية علي الفكرة وسافر الدكتور النقيب الي المانيا وإيطاليا وانجلترا لاختيار النموذج الامثل للمستشفى وتم اختيار مستشفي مارتن لوثر بألمانيا لإنشاء مثيل له بالإسكندرية بتكاليف 250  ألف جنيه مصري ، وتم اسناد العمل به للمهندس الالماني ارنست كوب الذي انشأ مستشفي مارتن لوثر بألمانيا وقامت الجمعية بشراء قطعة أرض مساحتها 19 ألف متر مربع من محافظ الاسكندرية في ذلك الوقت وهو حسين صبري باشا خال الملك فاروق بمبلغ 7 آلاف جنيه وقامت الجمعية بجمع التبرعات من أغنياء الاسكندرية ..
 
✍ وكانت الجمعية تملك عمارة كبيرة في منطقة الميناء الشرقي تستخدم ريعها في تمويل أنشطة الجمعية وعند عرضها للبيع لم تحقق سوي 30 ألف جنيه فقط، فتم عمل يانصيب على التبرعات وتكون الجائزة الكبرى هي هذه العمارة وبالفعل حقق اليانصيب مبلغ 60 ألف جنيه..
 
وفي عام 1935 تم اكتمال البناء تحت اسم مستشفي المواساة الخيري ولكن الملك فؤاد لم يحضر لافتتاحه وبعد تولي الملك فاروق الحكم عام 1936 قام بافتتاحه رسميا في شهر نوفمبر عام 36 بحضور علي باشا ماهر رئيس الوزراء والدكتور أحمد النقيب صاحب الفكره والملك عبد العزيز أل سعود..
 
 كان مستشفي المواساة طوال الاربعينيات والخمسينيات قبلة للملوك والرؤساء والأمراء للعلاج بها ومن أشهر من تلقي العلاج بها الملك عبد العزيز ال سعود والملك فيكتور عمانويل ملك ايطاليا والامير عبد الكريم الخطابي وشاه ايران محمد رضا بهلوي اضافة الي الملك فاروق نفسه التي نقل اليها عقب حادث القصاصين كما أجريت له بها عمليات جراحية كما عولج به الرئيس عبد الناصر وعدد كبير من الفنانين ومشاهير مصر والعالم العربي..
✍ ومن الطرائف أن الرئيس اليمني عبد الله السلال خلال علاجه به كان يشكو الي الرئيس عبد الناصر خلال زيارته له من الضيق فكان يرسل له الفنان اسماعيل ياسين كل ليلة ليسليه ويرفه عنه في مرضه..
 
 ولكن بعد قيام ثورة يوليو 1952 تغيرت الأحوال وتبدلت الأوضاع وبدأت محاكم الثورة في التخلص من رموز العهد البائد وتشكلت المحكمة في أوائل سبتمبر عام 1953 من عبد اللطيف البغدادي رئيسا، وحسن إبراهيم وأنور السادات أعضاء، لمحاكمة كل رموز الفساد من النظام الملكي وكل من تعاون من الإنجليز أو تأمر على الثورة..
 
وجاء الدور على محاكمة الدكتور أحمد باشا النقيب، أما التهمة التي وقف بها أمام محكمة الثورة فكانت أنه أقام بيتا مخلا بالآداب العامة في مستشفي المواساة، متهمين إياه بجلب ممرضات لفاروق من فرنسا وإيطاليا، وتم الحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة، ومات في سجنه..
*أن الناس كانت تتعجب من سعة علاقات احمد باشا النقيب، لدرجة أن المصريين أطلقوا مثل " يا بخت من كان النقيب خاله ".
 
تعليق لابد منه:
‹‹المحسوبية›› كلمة أصلها تركي، ومع مرور الزمن صارت مصرية المبنى والمعنى والروح، كما أنها مشتقة من كلمة محسوب من قبيل ‹‹محسوب عليه››، وجعل المصدر للدلالة على أنها الشيء الممنوح من رجل لرجل محسوب عليه، وتذكر المحسوبية للرشوة،
ومن لا محسوبية له يهمل شأنه سنين، فالورق يبقى عند الموظف فى الدرج تتراكم عليه الأتربة إلى أن تأتى المحسوبية فيمر مر البرق؛ لهذا شاعت تلك الكلمة بين المصريين.
والى اللقاء في معلومة جديده... تحياتي.