كتب - محرر الاقباط متحدون
قال الباحث والكاتب الليبرالي سامح عسكر :" عن انضمام مصر والسعودية والإمارات وإيران (لمجموعة دول البريكس) توجد بعض القواعد، مضيفا عبر حسابه على فيسبوك :

أولا: البريكس أنشئت خصيصا لتكون منافسا لمجموعة السبع الكبار الموالية للولايات المتحدة وحلف الناتو، لاحظ أن مجموعة السبع برغم تصنيفها أنها أكبر اقتصاديات العالم (أمريكا+ بريطانيا+ فرنسا+ اليابان+ كندا+ إيطاليا+ ألمانيا) تخلو من 4 من أكبر اقتصاديات العالم (الصين + الهند+ روسيا + البرازيل).

يعني خطة عمل البريكس سياسية في المقام الأول..ويظهر ذلك من مواقف البريكس في ملف أوكرانيا (دعم خطة سلام بين روسيا وأوكرانيا) مقابل مواقف مجموعة السبع (إدانة للغزو الروسي ودعم أوكرانيا بالسلاح)..راجع بيان مجموعة السبع في هيروشيما باليابان في شهر مايو الماضي، وبيان البريكس الأخير في يونيو 2022 بالصين..

ثانيا: البريكس من ضمن أهدافها أن تكون صوتا لفقراء العالم والدول النامية في التأثير على البنك الدولي والتجارة العالمية، لذلك حرصت على ضم دول نامية ذات كثافة سكانية عالية وستسعى لذلك في المستقبل لتشكل تحالفا أكبر ضد مجموعة السبع التي تتحكم في مؤسسات المال الدولية ليصبح توزيع المال أكثر عدالة..

ثالثا: مصر بالنسبة للبريكس دولة نامية واعدة، فبرغم عدد سكانها الكبير وديونها الكبيرة لكن ناتجها المحلي ارتفع ل 387 مليار دولار مع رقم تصدير سنوي 71 مليار دولار، بنسبة زيادة 100% تقريبا آخر 5 سنوات، وهي أرقام تؤشر على نموّ الاقتصاد المصري وبلوغه حاجز التريليون دولار في غضون عقد أو اثنين من السنوات إذا ظل على هذا المؤشر العالي من التطور..

كذلك موقع مصر الجغرافي مهم بالنسبة للبريكس نظرا لما قلته في البند الأول أن هدف إنشاء البريكس سياسي في المقام الأول يعتمد على الاشتراك في مجموعة قيم تعادل القيم المشتركة التي أسست مجموعة السبع..ولو كانت مصر دولة فاشلة اقتصاديا أو مهددة بالإفلاس لرفض طلبها للانضمام أو تم تأجيله لحين تحقيق مجموعة من الشروط..

رابعا: من ضمن أهداف البريكس إنهاء سيطرة أمريكا والناتو، وإحياء مبدأ (عالم متعدد القطبية) فهي وإن كانت لم تعلن نفسها قطب ثاني مناهض للولايات المتحدة، لكنها أعلنت استقلاليتها عن المحور الغربي، في تصرف شبيه بحركة دول عدم الانحياز سنة 1961 وتجمع باندونج للدول الأفروأسيوية سنة 1955 وكلاهما حركات دولية (سياسية واقتصادية) أعلنت استقلالها عن أمريكا والغرب ، وتصرفت بمعزل عن سياسات البنك الدولي ومجلس الأمن الذي تهيمن عليهما مجموعة السبع الكبار..

خامسا: موقف الولايات المتحدة ودول السبع ليس عدائيا من البريكس، بينما كان عدائيا ضد دول عدم الانحياز، ربما ظروف نشأة عدم الانحياز في ظل الحرب الباردة و عالم متعدد القطبية هو الذي دفع أمريكا لهذا التصرف العدواني، لكنها اليوم ليست عدوّة للبريكس لأنها لم تشعر بالخطر بعد من منافسيها الجدد، أو لا تخوض حربا مصيرية..

وهذا يعني أن انضمام الدول 6 الأخيرة للبريكس يمكن تصنيفه (بالانضمام الآمن) بمعنى يمكنه الاستفادة من سياسات واقتصاديات البريكس مع الاستفادة أيضا من سياسات واقتصاديات دول السبع

سادسا: بالنسبة لخطة التخلي عن الدولار فهي هدف للبريكس فعلا لكنه غير منظور في الأمد القريب، واقعيا لا زال اقتصاد مجموعة السبع هو الأكثر (جذبا) لأنه الأكثر (تحررا) وبالتالي صار أكثر قابلية وتكيفا مع رأس المال، وهذه نقطة قوة السبع الكبرى (السوق الحرة الليبرالية) مع ذلك فما فعلته مجموعة السبع مؤخرا بعقاب روسيا الشهير (بالهستيري) طرح شكوكا متعددة حول حرية رأس المال، وجزئيا ينتقل رأس المال لأسواق غير مرتبطة بمجموعة السبع من أهمها سوق البريكس التي تهدف المنظمة لاستقبال هذا المال كبديل عن أسواق الغرب في المستقبل، يعني فكرة التخلي عن الدولار برغم أنها مطلبا حماسيا لشعوب وقادة تلك الدول إلا أن تحقيقها في الأمد القريب صعب جدا..

ومع ذلك فالانتقال التدريجي لسوق البريكس وأن يكون أكثر قابلية وجذبا لرأس المال هو الذي سوف يشجعه على هذا الإنجاز لو تم..لأن معنى إنهاء سيطرة الدولار سقوط أمريكا ليس فقط كقطب دولي..ولكن سقوط الاقتصاد الأمريكي كليا وفشله لقيامه منذ السبعينات على ما تسمى (صدمة نيكسون) Nixon shock والتي أعلنت فيها أمريكا إلغاء ربط الدولار بالذهب، مما أعطى لأمريكا قوة اقتصادية هائلة صار بموجبه الدولار سلعة استراتيجية وليس مجرد عملة مطبوعة، أو بعبارة أخرى (سرقة أمريكا لثروات الشعوب مقابل طبع الدولار واستبدال هذه الثروة بورق مطبوع أقل كلفة..)

سابعا: البريكس ستكون على الأرجح هي الواجهة السياسية والاقتصادية لمنظمة شنغهاي للتعاون، وهي منظمة أمنية ثقافية فكرية من ضمن أهدافها التصدي للخطر الأصولي والتطرف الديني والعرقي المدعوم من الولايات المتحدة ودول السبع، والذي يهدف لتقسيم كل خصوم الغرب على أسس دينية وعرقية..فبرغم هذا الطابع الأمني لمنظمة شنغهاي لكن قيام مؤسسيها بإنشاء البريكس أعطى شنغهاي طابعا سياسيا واقتصاديا أيضا..

بالنسبة لمصر والعرب فضمّهم إلى البريكس أو شنغهاي سوف يساعد في القضاء على خطر المتطرفين والأصوليين وجماعات الإرهاب الدولية المدعومة من الغرب، ويحاربهم ليس فقط أمنيا ولكن فكريا وثقافيا بطرق متعددة، وفي تقديري أن منشأ هذه الفكرة في مواجهة خطط الغرب بدعم الإرهاب هو منشأ صيني، حيث نبعت الفكرة في الصين وتم نشرها في دول آسيا الوسطى

ثامنا وأخيرا: انضمام ال 6 دول مؤخرا للبريكس لا يملك عصا سحرية لتحسين أو تطوير اقتصادهم ، لكن سوف يعطيهم حلولا عملية كثيرة للأزمات من ضمنها سوق البريكس المزمع إنشائه ، وإمكانية التبادل بالعملات المحلية للحد من التضخم والديون بالعملة الصعبة، وأشياء أخرى ستظهر تباعا..ولو أنني أرى بأن مصر والأرجنتين بالذات هما أكثر الدول المستفيدة لصعوبة تطبيق برنامج صندوق النقد الدولي، ونسب التضخم المرتفعة هناك، مما يحفزهم لزيادة التصدير ومقابلة السلع المحلية بأخرى أجنبية تكون عوضا عن الحاجة للدولار هذه المرحلة، ولو أنجزت الدولتان ذلك فيمكن اعتبار انضمامهم للبريكس تاريخي وجذري سوف يغير كثيرا من شكل هذه الدول على مستويات كثيرة.