د. وسيم السيسي
أنا هيرودوت مؤرخ يونانى آسيوى، وُلدت ٤٨٤ ق. م، ورحلت عن عالمكم ٤٢٥ ق. م، وكان عمرى ٥٩ سنة.
لم يختلف الناس في أمر أحد كما اختلفوا في أمرى، قالوا عنى: أبوالتاريخ، كما قالوا: كذاب التاريخ، قالوا عنى: شوفينى «الانحياز لليونان»، كما قالوا عنى: بربرى، أي منحاز للشعوب الأخرى، ولكنى سأقص عليكم قصتى
بكل الصدق.
وُلدت في عالم مضطرب، يونان ضعيفة، إمبراطورية فارسية وُلدت في إحدى مدنها: «هالى كارناسوس»، وتُوفيت في إيطاليا، ارتحلت إلى بلاد كثيرة، أهمها مصر وإيطاليا وأوكرانيا، اشتركت في انقلاب عسكرى لم ينجح، ونفونى إلى جزيرة فاموس، وضعت موسوعة من تسعة مجلدات عن البلاد التي زرتها، وكانت من ورق البردى، ولحسن حظى، بقيت المجلدات التسعة كما هي، أطلقت على هذه الموسوعة: هستوريا، وهى كلمة معناها: التحقيقات.
زرت مصر وهى في أسوأ عصورها وأحوالها، كانت محتلة من الفرس: الغزو الفارسى الأول والثانى من ٥٢٥ ق. م «قمبيز» حتى ٣٣٢ ق. م «مازاكيس» ودخول الإسكندر الأكبر مصر.
كنت لا أعرف اللغة المصرية، ولا أقرأ الكتابة الهيروغليفية أو الهيراطيقية أو الديموطيقية، فوقعت ضحية لجهلة من المصريين، مع أعداء لمصر من الفرس، وسوف أقص عليكم قليلًا من كثير مما شاهدته في مصر، هذا البلد الذي قلت عنه: لم أر شعبًا أعجب من هذا الشعب في كل شىء.
كتبت في مقدمة موسوعتى: أكتب هذا حتى لا ننسى أعمال الآخرين الرائعة، وحتى نعرف أسباب الشقاق بين الشرق والغرب، والتى بكل أسف مازالت مستمرة حتى الآن.
كنت أتعجب من المصريين، يتناولون طعامهم بالخارج ويقضون حاجتهم بالداخل، فقد كانت مصر هي الوحيدة التي لديها صرف صحى، وكنا جميعًا نقضى حاجتنا بالخارج، كنت أعجب من قيود النظافة في مصر، فالمرأة تستحم مرتين كل يوم، ورجال الدين يستحمون قبل كل صلاة!، ويبدو أن مناصبهم الرفيعة تعوضهم عن هذا العناء، قلت: المصريون من أكثر الشعوب صحة، كيف يمرضون ودائمًا في طعامهم البصل والثوم والليمون؟!. عرفت أن ثمانى مجموعات من الطعام تحمى من السرطان، أولاها البصل والثوم والليمون، كان لكل مرض طبيب متخصص حتى: راعى الشرج!. مصر هي التي علمت العالم ختان الذكور، ولم أشهد ختانًا للإناث، كانوا يكتبون من اليمين لليسار، وكان تمسكهم بالدين ظاهرة عجيبة بالنسبة لى، كما كان عطفهم على الحيوان، خصوصًا القطط التي كانت تشاركهم الفراش!.
مصر بلد الأعياد والأفراح والموسيقى والرقص والغناء، ولكن الحداد كان رهيبًا، يطلق الرجال أذقانهم وشواربهم، وكانت الموسيقى الجنائزية والرقص الجنائزى.. إلخ.
ليغفر الله لى ما وقعت فيه من أخطاء في حق مصر، سمعتها، وسجلتها دون تحقيق بالرغم من أن اسم موسوعتى هستوريا، أي التحقيقات. قلت إن المرأة المصرية لا تعمل كاهنة، وعرفت بعد مماتى أن نفرتيتى وبناتها كن كاهنات في معبدحتحور. قلت إن عجين الدقيق بالأقدام، والطين بالأيدى، وعرفت بعد ذلك أن الأقدام فقط للعنب «النبيذ». أسأت إلى مصر بأكذوبة كبرى، حول بناء الهرم!!، وبردية وادى الجرف التي وجدتموها ٢٠١٠ تعطى أدق التفاصيل لبناء الهرم، عامل طلب إجازة لمرض والدته، وآخر لزواج ابنته.. إلخ.
أطلب منكم المغفرة لأن أعداء حضارتكم يستغلون ما كتبت لتشويه تاريخكم. الكذبة الكبرى الأخرى، بل هي سرقة وكذبة، أنى قلت مصر هبة النيل، والحق أن المؤرخ اليونانى هيكاتا الملطى من مدينة يونانية «ملطية»، قال هذه الجملة قبلى بمائتى عام، والحق أن كلينا مخطئان، فمصر هبة المصريين، هؤلاء الذين:
مشت بمنارهم في الأرض روما/ ومن أنوارهم قبست أثينا.
نقلا عن المصرى اليوم