محمود العلايلي
جاءت تلك العبارة ضمن سياق فيلم «ابن حميدو»، حيث قالها الفنان إسماعيل ياسين وهو يبتلع قطعة معتبرة من مخدر الحشيش أخرجها من منديله ليرد عليه الأستاذ توفيق الدقن بطريقته المميزة: صلاة النبى أحسننننن!.
وهو الرد الذي جاء على شكل دهشة مغلفة بإعجاب مريب عن كيفية خروج ابن حميدو وزميله حسن من الموقف الصعب الذي كان يأمل الباز أفندى أن يُتهما فيه بتجارة المخدرات، وقد عبر عن ذلك الأستاذ «الدقن» بأسلوبه المتفرد وهو ينظر لإسماعيل ياسين من تحت لتحت، في الوقت الذي يلوح بكرافتته، اللى ترد الروح، بحسب تعبير السيدة سعاد أحمد، أم حميدة وعزيزة في نفس الفيلم، الذي كتبه المتميز عباس كامل وأخرجه المبدع فطين عبدالوهاب.
وتُعد هذه العبارة من العبارات الخالدة في تاريخ السينما المصرية، ولطالما انتزعت الضحكات لدى الأجيال التي اعتادت مشاهدة الفيلم عند إعادته في التلفزيون، أو حين يتندر بها الأصدقاء بين بعضهم بوصف تلك العبارات السينمائية مادة مضمونة للتعليقات والإسقاطات المضحكة بين مَن يحفظون تلك «الإفيهات» ويعرفون كيف ومتى يستخدمونها، إلا أننى في الكثير من الأحيان أجد صدى هذه العبارة بالذات يرن في أذنى، حتى وأنا وحدى أقود سيارتى صباحًا.
بل أجد نفسى أحيانًا أخرى أرد على نفسى بعبارة الأستاذ الدقن، على أساس أن «تكونش شوكالاتة» قد قيلت ضمنًا في سياق الأحداث حولى، ولكنى لا أرددها إعجابًا فقط، ولكن تحسبًا لمصائب قادمة، حيث إن هذا الحوار يختصر مواقف عديدة نراها يوميًّا تكون الحقيقة فيها واضحة للجميع مثل قطعة الحشيش التي أخرجها ابن حميدو من منديله، في الوقت الذي تعبر فيه الناس عن دهشتها المغلفة بالإعجاب من التعامل معها معاملة الشوكالاتة.
فمَن منّا لم يشاهد الميكروباصات تقف في عرض الشارع ليركب زبون أو ينزل آخر، مَن منّا لم يشاهد مجموعة من الميكروباصات تجتمع لتكون موقفًا على مطلع أو منزل كوبرى، ثم مَن لم يشاهد مجموعات التكاتك المفترسة في الشوارع العمومية، التي لا يُسمح لهم بتجاوزها، ومَن لم يشاهد سائقى السيارات التي تعمل بتطبيقات المحمول وهم واقفون ثانى وثالث صف، وكل منهم ينظر في تليفونه تائهًا أو منتظرًا زبونه، وكأن أحدًا لا يراه بما أنه لا ينظر حوله، ثم كم أكياس القمامة التي يلقى بها المواطنون في الشوارع العمومية ويتعامى عنها الجميع حتى يتركوا الفرصة للنباشين لتفجيرها.
بعد أن يأخذوا ما يلزمهم منها لتتحول إلى زبالة متناثرة يُطيرها الهواء أو تدوسها الأقدام والسيارات، أما عصابات التسول الموجودون في الإشارات المزدحمة، أو الأماكن التي تتباطأ فيها حركة المرور على الكبارى والشوارع العمومية فلا يخفى على أحد أنهم محترفون، كما لا يخفى على أحد أن الأطفال الذين يستخدمونهم إما مخطوفين أو- على أحسن تقدير- مستأجرين، وغير ذلك العديد من المواقف التي نعبر عنها بـ«تكونش شوكالاتة!»، بينما نحن متأكدون أنها حشيش بكل تأكيد!.
إن هذا الإنكار المريب الذي عبر عنه ابن حميدو سنة 1957 بتحويل قطعة الحشيش إلى شوكالاتة، بل تمادى في ذلك، وأكلها «على بق واحد!»، لا يقتصر على ما نراه في الشارع فقط للأسف، ولكنه يسرى على ما سوى ذلك من أغلب ممارسات حياتنا العائلية والاجتماعية والسياسية والإعلامية والرياضية، حيث تجد دائمًا مَن يحول الحشيش إلى شوكالاتة، في الوقت الذي تجد مَن يشهد على ذلك دون تعقيب أو تصحيح، بل الأنكى أنك تجد مَن يلعب دور الباز أفندى الذي يوثق للواقع، ولا ينفى تورطه في الإفساد والتضليل.
نقلا عن المصرى اليوم