حمدى رزق

 قبل الهجمة الشرسة، وتشغيل أسطوانة بيع مصر، وحتمية الحفاظ على المبانى التاريخية، فضلًا عن أثريتها للأجيال المقبلة، لم يكن مستساغًا استمرار «مجمع التحرير العملاق فى ميدان التحرير فى قلب القاهرة» كالبيت الوقف، وتركه كشاهد قبر على ماضٍ تولى.

معلوم موقع مجمع التحرير فى الذاكرة المصرية، أيقونة البيروقراطية المصرية العريقة، شاهد عليها، كان المصريون القدماء على زمن الآباء وقبلهم الأجداد يقصدون المجمع لقضاء المصالح الورقية واستيفاء الحاجات الوظيفية، كان مَوئِلًا لعدد من الهيئات والإدارات الحكومية يصعب حصره.
 
كان الذهاب إلى مجمع التحرير طقسًا شعبيًّا يتطلب استعدادًا خاصًّا، وتفرغ يوم أو بعض يوم، المواطن الصالح يزور المجمع على الأقل مرة فى العمر ويعود إلى أهله مسرورًا ليقص عليهم من أغرب القصص والحكايات.
 
وخلّدت السينما المصرية فى ذاكرتها البصرية المجمع فى عديد من أفلامها من أيام الأبيض والأسود وحتى الإرهاب والكباب، المجمع عشرة طويلة، العشرة متهونش، كان من المستحيل عاطفيًّا هدمه.
 
إخلاء المجمع كان بمثابة خلع الضرس، وكم من صيحات على مخطط الإخلاء، وكأن المجمع هرم رابع مسجل باسم الفراعين، مَن يدخله ينَل البركة، أو تصيبه اللعنة، الداخل مفقود والخارج منه بعد قضاء المصلحة مولود.
 
المجمع تاريخيًّا هو مجمع المصالح الحكومية، قام بتصميمه المهندس «محمد كمال إسماعيل» عام ١٩٥١، فى زمن الملك فاروق، مبنى إدارى لإدارات مختلفة، من ١٤ دورًا، وتكلف إنشاؤه قرابة مليونَى جنيه وقتها، وتم بناؤه على مساحة ٢٨ ألف متر، وارتفاعه ٥٥ مترًا، وبه ١٣٥٦ حجرة، ويتميز بالصالات الواسعة والمناور والنوافذ العديدة والممرات الكثيرة بكل دور، أقرب إلى بيت جحا كله مسالك.
 
يُعدونه أثرًا تاريخيًّا متعدد الأشكال، فإذا نظرت له وأنت تقف قبالة جامع عمر مكرم، سيبدو لك، كمقدمة سفينة على قدر كبير من الرشاقة، خطوطها الجانبية تنساب بنعومة. وإذا نظرت له من شارع الشيخ ريحان، من ظهر المجمع، سترى ما يشبه جزءًا من دائرة، قمتها زاحفة نحوك مباشرة، تتسم بالحيوية، وإذا وقفت فى منتصف الميدان، فإن المجمع سيتخذ هيئة القوس، مرنًا وقويًّا.
 
ما ينتظر المجمع الفريد نقلة سياحية معتبرة، التحالف الأمريكى الفائز بمخطط تطوير مجمع التحرير بدأ أعمال تحويل المجمع إلى فندق يحمل اسم «Cairo House» باستثمارات إماراتية تضخها مجموعة «العتيبة» تُقدر بـ٢٠٠ مليون دولار.
 
ستدير الفندق الجديد مجموعة «أكسفورد كابيتال» الأمريكية بعد تنفيذ مخطط التطوير المُقدم من مكتب «Ratio smdp»، الذى تقوده مجموعة «جلوبال فنتشرز» الأمريكية المتخصصة فى تحويل المبانى التاريخية إلى فنادق فاخرة.
 
مخطط أن يضم الفندق ٤٥٠ غرفة فندقية فاخرة والعديد من قاعات الطعام والترفيه ذات المستوى بخلاف ضم المساحة الفضاء أمام المجمع إلى حرم الفندق وتحويل سطح المبنى open air أكبر مساحة للاحتفالات والفعاليات فى القاهرة على مساحة ٨٥ ألف متر مربع.
 
للعلم.. الفندق الجديد شراكة مع القطاع الخاص بنظام حق الانتفاع وتَقاسُم الإيرادات، هل هذا كافٍ للتوكيد على ما نقول؟!، مصر تستثمر فى ثرواتها الوطنية، العالم من حولنا يبحث عن القيمة المضافة للمبانى الأثرية والتاريخية، والبعض يفضلها فارغة شاخصة كشواهد القبور.. للذكرى الخالدة!!.