خالد منتصر
انتهى السحر مع اختراع الكاميرا، وعندما دخل العلم من الباب قفزت المعجزة من الشباك، اقتحم جاليليو بتلسكوبه أحراش المجهول، قال له الكهنة النص يقول إن الأرض ثابتة والشمس هى التى تتحرك، وأيضا عيوننا تؤكد، هذا هو المألوف والبديهي، فنحن نرى كل يوم أرضا مسطحة، وشمسا تتحرك، ابتسم جاليليو ابتسامة الواثق، وهو يدرك تماما أنه يغير التاريخ، أعلن أن العلم ليس بالضرورة هو ما يساير البديهى والمألوف، وهو أيضا لا يخضع لأمانيكم ورغباتكم، حاكموه وسجنوه، لكن العلم كان قد قال كلمته، وبدأت الثورة الرهيبة التى أطاحت بكل الخرافات، وبدأت الدول تقيس تقدمها بمدى تقلص مساحة السحر فى تفكير أبنائها وسلطاتها وحكوماتها، وقد نبه فيلسوفنا العظيم د.زكى نجيب محمود إلى تعطيل قوانين الطبيعة بالكرامات والمعجزات والتفكير السحري، ومن سلطان وهيمنة الماضى على الحاضر، ولكن للأسف مازال التفكير السحرى متغلغلا فى النخاع، ويسرى مع كرات الدم الحمراء لداخل الخلايا والوصلات العصبية وقشرة الدماغ!، يرد البعض مقللا من خطر التفكير الإعجازى السحرى على المجتمع ، ويقول: وما الضرر من ترك متنفس سحرى للناس، يتخيلون فيه أن ثمة معجزة تنقذهم أو تنتظرهم، فلتتركهم ولا تضيق عليهم؟!.

لكن للأسف المهادنة مع تلك الأفكار والتصالح معها تمثل خطرا شديدا على العقل، مهما حملناها من صفات وأسماء وارتباطات دينية أو نفسية، فالتفكير السحرى ينفى ويدمر أهم قوانين الوجود، وهو قانون السببية، وهو تفكير مريح لا يفرض عليك ازعاج السعى وتوتر التغيير، لكن ما هو التفكير السحرى'>خطر التفكير السحرى ؟ أولا يقلل من احتمالية التغيير الإيجابي، فالتمنى لا يصنع الواقع ولا يشكله، وانتظار الحل السحرى يساوى عدم القيام بأى شيء، والتغيير سيحدث بالتأكيد سواء قمت بالفعل أو لم تقم بالفعل، لكن من المحتمل جداً أن النتيجة لن تكون فى صالحك. ثانياً :التفكير السحرى ينتقص من الحلول الحقيقية المفيدة المنجزة، فمن سيبحث عن المعجزات سيجد المعجزات من خلال اللاوعى ،ما يسمى الانحياز التأكيدي، وتظل حضرتك تبحث عن المعجزة وتعتمد عليها وتقل لديك احتمالية اتخاذ إجراء شخصى أو جهد انساني، وستنسى أو تتناسى أن كوفيد تم حصاره بالأقنعة واللقاحات وليس المعجزات.

ثالثا هذا النوع من التفكير يقلل من قدرتك على التفكير النقدي، وتصبح مثل أى ألتراس ، تنسب هزيمتك إلى قدرة العفاريت على إبعاد الكرة عن مرمى الخصم، وترجع عجزك إلى الأحجبة والأعمال السفلية !! والأكثر إحباطًا فى التفكير السحرى هو أن الأشخاص الذين ينحازون للتفكير السحرى عادة لا يعرفون أنهم يفكرون بطريقة سحرية! لأن الأدمغة البشرية للأسف الشديد غير مبرمجة على التحليل العلمي، وتستسهل الربط بين الهزيمة وارتداء التيشيرت ذى اللون النحس، عن الربط بين الهزيمة ونقص الاعداد البدنى والتخطيط الصحيح !، لكن كيف نتخلص من سطوة التفكير السحري؟، فى البداية لابد أن نفك الاشتباك بين الارتباط والسببية ، ونعرف أنهما معنيان مختلفان تماما، وكما يقول كتاب Thinking from A to Z: يتصرف كثير من الناس كما لو أن أى ارتباط بين الأحداث يوفر دليلًا قاطعًا على وجود صلة سببية مباشرة بينهما؛ أى بمجرد حدوثِ إحداها فغالبًا ما يحدث الآخر، وبذلك يطلقون حكمًا خاطئًا على الأحداث ذات الصلة العرَضية، وهذه تعد مُشكلة سببية؛ إذ ان الارتباط لا يعنى السببية (Correlation does not imply causation).

لأنَّ مجرد وقوعِ حدثين معًا لا يعنى ذلك أن أحدهما سبب فى الآخر، بل ربما يكون هذا النوع من الارتباط نتيجةً لسبب مشترك بين الحدثين عبر المصادفة المحضة، عندما تزيد فى الصيف مبيعات المياه الغازية والواقى الشمسي، يجب ألا تستنتج أى سببية بين المياه الغازية والواقى الشمسي!، ابحث دائماً عن اتصال حقيقى بين الأحداث، يجب مثلا أن تخلق علاقة سببية بين الجوارب الثقيلة للاعبى فريقك وبين هزيمتهم ، فالجو قارس البرودة هو السبب، وأنت كمدرب لم تجهزهم لذلك، وابحث عن أدلة تثبت ذلك الارتباط، بواسطة إحصاءات مثلا عن تكرار الهزيمة الكروية فى بلد افريقى معين، أو استاد محدد، تكون فيه نسبة الأوكسجين منخفضة مثلاً ...الخ، البعد عن التفكير السحرى يجعلك قادراً على التنبؤ المستقبلى بناء على الدراسات وربط الأسباب بالنتائج، والاقتراب من التفكير السحرى يصيبك بالفصام أو الشيزوفرينيا ، يتساوى فى ذلك الفرد والمجتمع، والأخطر حين يفكر المجتمع كاملاً بتلك الطريقة، حين يتغلغل الفكر السحرى وانتظار المعجزات فى تلافيف الروح والدماغ ، من الممكن جداً أن يؤجل المريض علاجه انتظارا للمعجزة والسحر والرقية والكرامات ، وأيضا عندما يعلن شخص أنه كان أعمى وأبصر بمعجزة أو سحر أو كان معمولا له عمل وتم فكه ...الخ ، سيتسلل النصابون إلى باقى المرضى العميان، ويبيعون لهم الوهم معتمدين على حكاية فلان الذى حدثت معه المعجزة، ونرى كما يحدث مع البعض من تعرضهم لعمليات نصب بزرع ما يدعون فى بعض العيادات أنه خلايا جذعية وهى خلايا وهمية، وينخدع المريض، ولا يبصر بعد أن يكون قد دفع كل ما يملك! العلم لا يدعى المعجزات ، لكنه يحقق لكم ما كنتم تظنونه معجزات، العلم لا يخدم فردا على رأسه ريشة بل يخدم الجميع.
نقلا عن الاهرام