محرر الأقباط متحدون
في الخامس من آب أغسطس الجاري وخلال زيارته الرسولية إلى البرتغال لمناسبة اليوم العالمي للشبيبة ٢٠٢٣ كان للبابا فرنسيس لقاء مع الكهنة اليسوعيين في ليشبونة. وتطرق مع الحاضرين إلى مسائل مختلفة مجيباً على بعض الأسئلة التي طُرحت عليه. للمناسبة نشر مدير مجلة شيفيلتا كاتوليكا، الكاهن اليسوعي أنتونيو سبادارو مقالاً هذا الاثنين سلط فيه الضوء على هذا اللقاء.
بدأ الاجتماع بكلمة للرئيس الإقليمي للرهبنة اليسوعية في البرتغال الأب ميغيل ألميدا الذي قدم لمحة عن نشاطات الرهبنة اليسوعية في البلد الأوروبي تربية ورعوية الجامعات، والعمل في الرعايا، والبرامج الاجتماعية، وفي عالم الثقافة أيضا. بعدها تناول الحبر الأعظم الحديث مجيبا على بعض الأسئلة التي طرحها عليه الكهنة اليسوعيون وتطرق إلى مسألة المجتمع المعلمن الذي نعيش فيه، لافتا إلى أن هذا الأمر يثير قلقه، خصوصا عندما يتغلغل هذا الطابع الدنيوي إلى داخل الحياة المكرسة. وسلط الضوء في هذا السياق على أهمية التمييز، معتبرا أن ثمة فرقاً كبيراً بين الاستعداد للحوار مع العالم، لاسيما مع عالم الفن والثقافة، وعيش الطابع الدنيوي. وشدد في الوقت نفسه على أهمية عدم الانغلاق على العالم إذ لا بد من الخروج نحوه مع كل ما لديه من قيم وانعدام القيم. وتوقف البابا عند خطاب وجهه إلى كهنة الكوريا الرومانية العام الماضي وحذرهم من مغبة الانجرار وراء إغراءات هذا العالم لاسيما الجنسية منها.
بعدها انتقل البابا إلى الحديث عن التزام الرهبنة اليسوعية في العمل لصالح الفقراء، وقال إن الروحانية الأغناطية تدفعنا اليوم في هذا الاتجاه، نحو التزام تجاه من يعيشون على هامش الحياة، لا على هامش الدين وحسب. وذكّر بأنه في أيام الرئيس العام الأسبق الأب جانسن أبصرت النور مراكز للبحوث والعمل الاجتماعي، وقد مهدت الطريق أمام التفكير والتأمل وصولا إلى خيار العيش وسط الأشخاص الفقراء وأكد البابا أن هذا الأمر يساعد الكهنة أنفسهم، ويبشرهم بالإنجيل. وأضاف فرنسيس أن هناك وسائل وطرقاً كثيرة للاقتراب من المشاكل الاجتماعية، بيد أن العيش داخل البيئات المحرومة يعني المقاسمة، ويسمح بالتعرف على الحكم الشعبية وباتّباعها. وقال إن للفقراء حكمة خاصة، إنها حكمة ممارسة العمل بكرامة. وثمة حاجة لمرافقة الفقير ومساعدته على السير إلى الأمام والتقدم مع الحفاظ على كرامته.
ردا على سؤال بشأن الانتقادات التي توجّه غالباً إلى حبريته، حتى من داخل الرهبنة اليسوعية نفسها، قال البابا فرنسيس إن المواقف الرجعية لا جدوى منها، لافتا إلى وجود تطور يتعلق بفهم المسائل الإيمانية والخلقية ومؤكدا أن العقيدة أيضا تتقدم وتترسخ في الوقت نفسه، والتغيير يبدأ من الجذور ويرتقي إلى الأعلى. ولفت الحبر الأعظم – على سبيل المثال – إلى أن حيازة الأسلحة النووية هي اليوم خطية، كما أن ممارسة عقوبة الإعدام خطية، وفي الماضي لم يكن الأمر كذلك. فيما يتعلق بالعبودية، لفت فرنسيس إلى وجود العديد من البابوات الذين كانوا متسامحين مع هذه الظاهرة، أما اليوم فقد تبدلت الأمور. وأضاف البابا أن فهم الإنسان يتغيّر مع مرور الزمن، وضميره يزداد ترسخاً وعمقاً. والعلوم تساعد الكنيسة على النمو في هذا الفهم والإدراك.
هذا ثم سأل أحد الكهنة البابا عن حلمه بالنسبة لكنيسة المستقبل وقال إنه عندما ينظر إلى المستقبل يرى أنه علينا أن نتبع الروح القدس، ونستمع بشجاعة إلى ما يقوله لنا. وأضاف فرنسيس أنه قرأ مؤخراً التقرير الذي يسلط الضوء على وضع الرهبة اليسوعية، مشيرا إلى أنه يتحدث عن الحاضر لكنه ينفتح على الغد ويشدد على ضرورة متابعة السير في الدرب نفسها. وقال البابا إن حلمه لمستقبل الكنيسة هو أن تبقى منفتحة على الروح القدس وعلى التمييز. وتوقف أيضا عند أهمية الصلاة، وهذا كان آخر ما طلبه الرئيس العام الأسبق الأب أروبيه من أعضاء الرهبنة خلال زيارته لتايلاند قبل وفاته، وكان هذا الطلب بمثابة وصيته. وذكّر فرنسيس بأنه بواسطة الصلاة يتمكن الكاهن اليسوعي من السير قدماً، ولا يخشى شيئا، لأنه يدرك أن الرب سيُلهمه بما ينبغي أن يفعل.
في الختام حث البابا الكهنة اليسوعيين في البرتغال على إيلاء اهتمام خاص بالأجيال الناشئة والاهتمام بمخاوفها وتطلعاتها، لافتا إلى أن اليوم العالمي للشبيبة هو بمثابة بذرة تُزرع في قلب الشبان والشابات وينبغي ألا يتحول هذا الحدث إلى ذكرى من الماضي، إذ عليه أن يحمل الثمار، لذا لا بد من متابعة العمل مع الشبان الذين شاركوا ومن لم يشاركوا كي يلامس الروح القدس قلوب الجميع.