حمدى رزق

إرهاب المؤيدين، وتسفيههم، وخمش وجوههم، والحط عليهم، واتهامهم بما ليس فيهم، أقلها وصمهم بالتطبيل، حديث التطبيل يسرى.

في جو خانق يخنق الأفكار، ويحبس الأنفاس في الصدور، البعض صار صدره ضيقًا حرجًا كأنما يصّعّد في السماء، لا يقبل كلمة حلوة، كلمة شكر في حق مَن اجتهد فأصاب وأخطأ.. وطوبى للمجتهدين.

تلح على ذاكرتى المتصحرة كلمات طيبات لطيب الذكر الساخر العظيم «أحمد رجب»: «أمدح وطنى ويشتمونى.. خَيْرٌ مليون مرة.. من أن أشتم وطنى ويمدحونى».

والذاكرة تستدعى بيت شعر ذائعًا لأمير الشعراء «أحمد شوقى» من قصيدته المعروفة بـ«سينية أحمد شوقى» يقول: «أحرام على بلابله الدوح حلال للطير من كل جنس؟!».

أمير الشعراء «شوقى» كما الساخر الجميل «أحمد رجب» كانا يردان عن المُوالِين غلو الرافضين، تلطفًا لا أقول الكارهين، فإذا ما ارتأى صاحب منصة فضائية أو إلكترونية أو صحفية ما يراه، فله ما يراه، وقد تختلف معه، وترفض ما يخطه، وتكتب ما تراه (أنت) صوابًا، والاختلاف في الرأى لا يفسد للود الوطنى قضية.

المنهج العاقل الراشد مؤداه «رأيى صواب يحتمل الخطأ، ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب»، وهذه منسوبة إلى الإمام الشافعى، وهناك أخرى عن الفيلسوف الفرنسى «فولتير» تقول: «قد أختلف معك في الرأى، ولكنى مستعد أن أدفع حياتى ثمنًا لحقك في التعبير عن رأيك».

مثل هذه القواعد الحوارية للأسف مفتقدة في الحوار المجتمعى، وأكثر وضوحًا بين النخب المُسيَّسة، حوارات النخب ملؤها الترهيب، والتخوين، والتوصيف المُهين، فهذا عميل، وهذا مرتشٍ، وهذا دولجى، وهذا كولجى، وهذا مخبر، وهذا جاسوس، وهكذا تتناثر الاتهامات كمياه النار، حارقة تشوى الوجوه.

لم تبرأ الساحة الحوارية الوطنية من أمراضها المزمنة والسارية، الاغتيالات المعنوية وصفة مجربة، فزاعة لكل صاحب رأى يعتقده صوابًا، وتجرأ وأعلنه على الناس.

نهج قنوات الإخوان العقورة في إشانة سمعة المتصدين لكذبهم البواح.. يُرهبون الموالين وحتى المعارضين بسلقهم قضائيًّا وإلكترونيًّا بألسنة حداد!.

ومن قديم، ففى النصف الأول من القرن الثانى نجد «عبدالله بن المقفع» يقول: «مَن وضع كتابًا فقد اسْتُهْدفَ؛ فإن أجاد فقد استشرفَ، وإن أساء فقد استُقذِفَ»، ورُوى عن «أبى عمرو بن العلاء» أنه قال: «الإنسان في فسحة من عقله، وفى سلامة من أفواه الناس؛ ما لم يَضع كتابًا، أو يقُلْ شعرًا»، خلاصته كما قال العميد «طه حسين»: «مَن ألّف فقد استُهدف»!!.

الاستهدافات صارت مشاعًا، وأكثرها شيوعًا تهمة «مطبلاتى»، وفى المعجم، طبالة طِبالة، حرفة الطَّبَّال بمعنى يهوَى الطِّبالة، ورغم تقدم فنون الموسيقى فمازالت للطبالة مكانتها، ولكنها في الكتابة منكورة، وإذا تقرر اغتيال كاتب يصفه المهين، الذي لا يكاد يبين، بـ«المطبلاتى».

مثل طلقة واحدة بين العينين، فيخر صريعًا في الفضاء الإلكترونى، كالقنبلة القذرة تُطلق في أثر كل مَن يفكر مجرد التفكير في الإشارة إلى منجز، أو معلم، أو قرار يُرتجى منه نفع!.

 

من حزن السنين السوداء، نفر من المتنفذين إلكترونيًّا عيّنوا أنفسهم من تلقاء أنفسهم «مراقبًا عامًّا» رقيبًا عتيدًا، مهمته البائسة عنوانها «امسك مطبلاتى»، مثل «امسك حرامى»، وكلاهما وصف مكروه.. ومن معانى القرآن الكريم كراهة أكل لحم الموتى، والأحياء أيضًا.

تقلا عن المصرى اليوم