محرر الأقباط متحدون
رسالة البابا إلى رجال الأعمال الفرنسيين لمناسبة انعقاد لقائهم السنوي في باريس
بعث البابا فرنسيس يوم أمس الاثنين برسالة إلى المشاركين في اللقاء السنوي لرجال الأعمال الفرنسيين الذي يُعقد يومي الثامن والعشرين والتاسع والعشرين من الجاري في العاصمة الفرنسية باريس. قرأ الرسالةَ على الحاضرين أسقف أبرشية نانتير المطران ماتيو روجيه وشاء البابا أن يسلط من خلالها الضوء على أهمية تكاتف الجهود من أجل تحقيق الخير العام.

استهل الحبر الأعظم رسالته لافتا إلى أنه عندما يفكر برؤساء ومدراء الشركات يخطر على ذهنه تلقائياً مفهوم الخير العام، وأضاف أنه ليس من الممكن اليوم أن نتصور تحسين الخير العام، أي تحسين الحياة الاقتصادية والاجتماعية وتطبيق العدالة وتحسين الظروف المعيشية للفقراء، دون أن يُؤخذ في عين الاعتبار الدور الذي يلعبه رجال الأعمال على هذا الصعيد.

وقال البابا للمشاركين في اللقاء إنهم يشكلون محرّك الغنى والازدهار والسعادة، مشيرا إلى أن هذه الفترة التي نجتازها حالياً ليست سهلة على الإطلاق بالنسبة للأشخاص وبالنسبة لعالم الأعمال الذي يعاني أيضا، لاسيما بسبب الحرب العبثية الدائرة اليوم، وسنوات الجائحة الصعبة. واعتبر فرنسيس في هذا السياق أن وسائل الإعلام لا تسلط الضوء بالقدر الكافي على معاناة رجال الأعمال الذين يُجبرون على إقفال شركاتهم ومؤسساتهم وذلك ليس نتيجة خطأ ارتكبوه.

هذا وتوقف البابا عند سفر أيوب في الكتاب المقدس الذي يؤكد لنا أن المآسي لا تمت بصلة إلى الأخطاء التي يمكن أن يرتكبها الإنسان لأنها تصيب الصالحين أيضا. ولفت إلى أن الكنيسة تدرك تماماً المعاناة التي يعيشها رجال الأعمال، وهي ترافقهم وتشكرهم. وأضاف أن الأناجيل تتحدث أيضا عن التجارة والأعمال ففيها الكثير من الأمثلة والروايات التي تتناول المال والوزنات والأملاك واللآلئ النفيسة. ففي إنجيل القديس لوقا، نقرأ عن والد الابن الضال، الذي كان رجلاً غنياً، ويملك الأراضي. كما أن السامري الصالح كان تاجراً على الأرجح، فتوقف أمام الرجل الجريح واعتنى به وأخذه إلى الفندق وتحمل كلفة الاهتمام به.  

بعدها تحدث الحبر الأعظم عن وجود وسيلة ناجعة من أجل الإسهام لصالح الخير العام ألا وهي خلق فرص عمل للجميع، لاسيما للأجيال الفتية ودعا رجال الأعمال في هذا السياق إلى وضع ثقتهم في الشباب، مضيفا أن كل فرصة عمل جديدة هي غنى متقاسم، وهي استثمار يسمح للأشخاص بالعمل وبعيش حياة كريمة. وقال: إذا كان صحيحاً أن العمل يجعل الإنسان نبيلا، فإن الإنسان بدوره يجعل العمل نبيلا. لأن الإنسان هو القيمة الحقيقية للعمل لا الآلة.

لم تخل رسالة البابا فرنسيس إلى رجال الأعمال الفرنسيين من الإشارة إلى أن رجل الأعمال هو أيضا عامل، إذ يعتاش على العمل ويعيش وهو يعمل. وأكد أن رجل الأعمال الصالح هو كالراعي الصالح في الإنجيل الذي – خلافاً للأجير – يعرف عماله لأنه يعرف عملهم. واعتبر الحبر الأعظم أن ثمة أزمة خطيرة يشهدها عالم اليوم ألا وهي فقدان التواصل بين رجل الأعمال وشركته والعمال الذين يصبحون "غير مرئيين". وذكّر البابا المشاركين في اللقاء بأنهم يشبهون إلى حد بعيد القديس يوسف، ويسوع اللذين أمضيا جزءا من حياتهما يعملان في النجارة.

هذا ثم ذكّر البابا فرنسيس رجال الأعمال الفرنسيين بأن رأس المال الوحيد الذي يملكونه هو قلبهم وضميرهم وفضائلهم ورغبتهم في العيش وتطبيق العدالة. وكتب أن قيمة رأس المال الإنساني والخلقي والروحي تفوق رؤوس الأموال الاقتصادية والمالية. وأكد أن التحديات الجديدة التي نواجهها اليوم في مجتمعنا المعقد لا يمكن أن نتعرف عليها بدون إسهام رجال الأعمال المميزين الذين يعيشون عملهم على أنه دعوة، وفرض خلقي ومصير وجودي. ولفت في هذا السياق إلى أن الإبداع والتحديث مسألتان ضروريتان بالنسبة للمجتمع المدني والجماعات وعملية الاعتناء بالخليقة.

وكتب الحبر الأعظم أنه بدون رجال الأعمال هؤلاء لا تستطيع الأرض أن تتحمل صدمة الرأسمالية. وأضاف أن العديد من رجال الأعمال بذلوا جهوداً في هذا الصدد، وهناك من فعلوا الكثير إلا أن ذلك ليس كافياً، لأننا نواجه أوضاعاً ملحة للغاية، ولا بد من فعل المزيد. ومما لا شك فيه أن الأطفال سيشكرونكم يوماً ما على ما تقومون به وأنا سأضم صوتي إلى صوتهم.

في ختام رسالته إلى رجال الأعمال الفرنسيين أكد البابا فرنسيس أنه يرفع الصلوات إلى الله القدير على نيتهم سألا الرب أن يحمل العمل الذي يقومون به والجهود التي يبذلونها ثماراً وافرة ودائمة. ووجه لهم في الختام تحياته الحارة والقلبية.