سمير مرقص
(1) «الإيكونومست تكتب عن واقع الشباب الصينى»
عرضت دورية «الإيكونومست» الأسبوعية فى عددها قبل الأخير الصادر فى 19 أغسطس الجارى موضوعًا غاية فى الأهمية عن حال الشباب الصينى. جاء عنوان الموضوع كما يلى: «التوعك الصينى الاقتصادى يولّد يأسًا فى الشباب» China›s economic malaise is causing disillusion among the young؛ ركز تقرير «الإيكونومست» الشامل على الذين ولدوا فى تسعينيات القرن الماضى ومطلع الألفية الجديدة؛ أى الذين تتراوح أعمارهم بين الثالثة عشرة وثلاثين سنة؛ أى فئتى الشباب الصغار والشباب، ويمثلون ما يقرب من 30% من إجمالى الكتلة السكانية الصينية التى تبلغ مليارًا ونصف المليار نسمة تقريبًا حسب إحصاء أُجرى فى 2020.. أى أننا نتحدث عن كتلة شبابية تصل إلى 500 مليون. وحول هذه الكتلة وبين عناصرها المختلفة، أجرت «الإيكونومست» مقابلات ميدانية عديدة، حيث سجلت المشاعر المتراوحة التى يبديها الشباب من شرائح مختلفة حول الوضعية الحرجة الاقتصادية/ الاجتماعية فى الصين.
كثيرون ما زالوا يثقون فى الحزب ووعْد قيادته فى صناعة صين قوية.. ولكن هناك كثرة مقابِلة تعانى قلقًا عميقًا من التعثر الاقتصادى الذى بات جليًا فى العموم وفى أوساط الشباب خصوصا. كما رصدت موقف خريجى الجامعات - تحديدا - من الوضع الاقتصادى بأنهم لا يجدون ما يناسب تخصصاتهم ولا المهارات التى تدربوا عليها على مدى سنوات طويلة مهمة من حياتهم، كذلك عدم توافر فرص استثمارية من أى نوع متاحة أمامهم.. الأمر الذى أدى إلى أن تصل نسبة البطالة فى الصين إلى ما يقارب الـ 15%، إضافة إلى الفقدان المستمر للكثيرين لوظائفهم مع استمرار الوضع المعتل للاقتصاد الصينى.
(2) «جيلا الألفية وزد فى الصين والمستقبل»
ولعل أهم ما التقطته دورية «الإيكونومست» هو أن الكتلة الشبابية التى تعانى فى الصين (500 مليون نسمة) تنتمى إلى ما بات يُعرف فى الأدبيات التى تتعلق بالتحولات الجيلية إلى جيلى: «الألفية»، و« زد» (وكنا قد أشرنا إليهما مبكرًا فى مقالنا الأسبوعى بـ«المصرى اليوم» المعنون «بكرة»)؛ وأن هذين الجيلين لهما طريقة تعاطٍ مع المجتمع والعالم مغايرة تماما للأجيال السابقة عليهما، وهو ما بات يتجلى فى خطابهما وردود أفعالهما حيال خطاب السلطة.
ولعل من أبرز ما سجلته الإيكونومست فى هذا الإطار موقف جيلى «زد» و«الألفية» من دعوة «جى جينبينج» من: «ضرورة تركيز الشباب على أهداف الحزب»؛ فأجاباه بسؤال بسيط وعميق فى آن واحد مفاده: «لماذا علينا أن نفعل ذلك؟».
وتجرى «الإيكونومست» مقارنة غاية الذكاء بين شباب 1985 وشباب اليوم فى الصين؛ من حيث مساحة الحرية المتاحة التوقعات المتفائلة بالمستقبل. ففى الثمانينيات، شهدت الصين احتجاجين كبيرين فى ميدان «تيانا»، الأول فى 1978 والثانى فى 1989، قوامهما الرئيسى الطلبة والمثقفون، وإن انضمت الطبقة العمالية للطلبة فى الاحتجاج الثانى. وخلال عقد ما بين الاحتجاجين، عاشت الصين وشبابها أملا بسبب الانفتاح السياسى النسبى آنذاك.. وهو ما استدعته «الإيكونومست» لتشير إلى أن الوضع الراهن لا يرقى لتلك الفترة من التاريخ، حيث لا ترقى توقعات شباب اليوم إلى تطلعات شباب الثمانينيات.
وفى لفتة تعكس قدرًا من الموضوعية، تذكر «الإيكونومست» أن الولايات المتحدة الأمريكية تعانى من نفس الظاهرة ـ أجيال شباب الزمن الرقمى ـ فى لفتة إلى أن هذه الأجيال تعيش فى قطيعة تامة مع المؤسسات القائمة والسياسات المطبقة وما ينتج عنها من نتائج، وبطبيعة الحال مع أجيال الكبار. وتدلل «الإيكونومست» على واقعية الأجيال الراهنة، وكيف أنه لا يعنيها أن نموا اقتصاديا شهدته الصين فى مرحلة من المراحل، وأن الصين أصبحت قطبا إمبرياليا - كما وضحنا فى أكثر من مقال سابق ـ كبيرا فى المنظومة الدولية، حيث إن الشباب يفكرون: إلى ماذا سيؤول إليه مستقبلهم؟.
(3) «القطيعة»
ولعل أخطر ما رصدته «الإيكونومست» من خلال تحليل محتوى ما يكتبه ويصوره الشباب الصينى فى تقنيات التواصل الاجتماعى الرقمية ملاحظتهم بأن «المزاج» العام لهم «يزداد ميلا باستمرار نحو السواد» mood is growing darker؛ وأن لسان حالهم «الفُرجة» وترك الوضع وشأنه، أو القطيعة مع من حولهم.. ما يمثل تحديا كبيرا.. ويبدو أن هذا هو موقف الأجيال الرقمية حول العالم، مع التأزم الكونى فى تجلياته المتعددة.
نقلا عن المصرى اليوم