خليل فاضل
تقول كلمات الأغنية الشعبية المُندثرة «الواد بيعيط، إدِّى الواد لابوه، حُط الواد على الأرض».. فى هذه الأيام لا يُعطى الولد لأبيه، ولا يوضع على الأرض، ولكن يُترك للموبايل يلهو به.
إن تلك الشاشات تؤثر على نمو الأطفال، وتُعطِّل عملية التطور الحسِّى والإدراكى؛ فالطفل الرضيع ذو السنة الواحدة، الذى يقضى وقتًا فى لعب غير مفهوم على الشاشة الصغيرة جدًّا، مُعرَّض بشكل كبير إلى تعطل درجة تواصله وقدرته على حل المشاكل؛ من سن 2 إلى 4 طبقًا للدراسات الحديثة، ما يؤكد بالدليل الدامغ أن الوقت الذى يقضيه الرضيع يتسبب فعلًا فى التعطل النمائى، خصوصًا فى مهارات التواصل والعلاقات الاجتماعية بالآخرين، فما بين سن السنتين والأربع تحدث تغيرات كثيرة فى خلايا المخ ومساراتها إذا ما تعرَّض الطفل كثيرًا للشاشة الزرقاء، بدءًا من الموبايل إلى اللابتوب والتابلت، وانتهاءً بالتلفزيون الذى قد يقضى أمامه ساعات طويلة يشاهد أفلام الكرتون، بكل ما تحويه من مشاهد عنف وغرابة ولا نعرف محتواها أو نعرفه ولكن لا نركز، ثم نشكو بعدما يصير الطفل عمره بين السادسة والتاسعة من أعراض انطوائه وانخفاض تحصيله الدراسى، وعدم رغبته فى الاستمرار فى التعليم.
إن هؤلاء الأطفال، الذين قضوا أربع ساعات يوميًّا أمام تلك الشاشات، معرَّضون أكثر من غيرهم خمس مرات لأن يتعطَّلوا بشدة فى مسألة نمو القدرات العقلية وعدم اكتمال الوعى والفهم والإدراك، حيث إن التعرض للشاشة الصغيرة جدًّا قبل سن الثانية من العمر يؤثر تأثيرًا شديدًا على عملية التعلُّم والفهم، وله أثر سلبى كبير على ما يمكن أن يكتسبه الطفل من مهارات، ويستمر هذا التأثير السلبى حتى سن الأربع سنوات، بالطبع ليست الشاشة الصغيرة جدًّا هى المسؤولة الوحيدة، وإنما العوامل الوراثية السلبية، وكذلك الأمراض العضوية والعوامل البيئية السلبية، كسوء التهوية والتغذية، وعدم إتاحة الفرصة للطفل لوقت خاص باللعب وعدم تعريضه لأشعة الشمس، واحتمالات الإساءة إليه وتعرضه للضرب والإهانة أو الاعتداء الجنسى، والإهمال العاطفى وعدم الانتباه للطفل فى ملبسه ودراسته وحياته، بجانب عوامل أخرى كحالة الأم الصحية النفسية، كإصابتها باكتئاب ما بعد الولادة، أو حمَّى النفاس أو ما شابهها، مع عدم وجود دعم لها من أقاربها أو من المجتمع المحيط بها، من ناحيةٍ أخرى فإن الأطفال دون الثانية عشرة من العمر، حينما يستخدمون التابلت أو غيره فى الدراسة؛ فإنهم يكتسبون مهارات جديدة فى مختلف النواحى، مقارنةً بهؤلاء الذين يجهلون كيفية التعامل مع الكمبيوتر.
من المهم جدًّا الإشراف على الطفل، وعدم اللجوء إلى إلهائه بإعطائه موبايل لكى يلعب به لمجرد اللعب ومتابعة الشاشة لأن هناك ضوابط يجب أن تتحكم فى المسألة لأن للشاشات سُمّها الذى يصُب فى أذهان أطفالنا الرضَّع، وللحقيقة، فإن هناك الكثير من أولياء الأمور، الذين يجدون صعوبة شديدة فى إبعاد أولادهم عن الشاشات لبعض الوقت، وإرساء نظام محدد والإشراف عليهم نظرًا لمشاغل الحياة وضغوطها، مما يخلق أجيالًا كاملة تفتقر إلى أولويات الصحة النفسية، لذلك من المهم جدًّا اللجوء إلى الحدائق العامة المُشمسة فى الأجواء الصحوة، وإلى البحر والأماكن الطبيعية، بحيث لا تكون هناك أيدٍ تمتد إلى الموبايل، خاصةً من الكبار، الذين يقضون وقتًا كبيرًا فى الثرثرة والتصفح الإلكترونى العبثى، بدلًا من أن يكونوا فى الماء أو على الحشائش أو يتبادلوا الأحاديث ويمرحوا ويضحكوا، مما يُكسِب الطفل عادةً صحية من بيئته المحيطة، وأيضًا بالتعود على التواجد المُثمر إنسانيًّا فى الهواء الطلق.
حاولوا أن تجدوا أكثر الطرق ملاءمة لأطفالكم، فهم أمانة فى أعناقكم.
نقلا عن المصرى اليوم