القمص أثناسيوس فهمي جورج
سلامًا وبنيانًا لكنيسة الله الواحدة المقدسة الجامعة الرسولية؛ وامتدادًا لكنيستنا بعمل الروح القدس الرب المُحيي؛ الذي اقتناها له بالدم الكريم (الشعب المُقتنىَ) هو صاحبها وحاكمها ورأسها وقائدها وكرّامها الوحيد. لذا تاريخها هو أفخر وأعظم وأمجد قصة لعمل الله، يقودها على مرتفعات النعمة ويأخذها على جبل عالٍ؛ الأمر الذي جعل صفحاتها وهّاجة بنور وقوة مهما احاطت بها الانواء ؛ وخيوطها منسوجة زاهية تخرج من النهر العظيم من أمام عرش الله؛ لتسقي أرض العالم وتُغذيه بحق وحياة وطريق مسيحها الفادي ؛ عبر بحر الالامات .
 
صاحب الكنيسة هو المسيح وهو الذي وعدنا أنه لن يتركنا يتامىَ؛ لكنه يعمل بروحه القدوس كي يصنع حاضرها ومستقبلها؛ فيكون حيًا ونابضًا حتى يكتمل التاريخ عندما يجيء عريسها وكرّامها ويكتب حينئذٍ (قد أُكمِل)... لقد أرسل إلى كرمه خدامه الأتقياء بدءًا من أبينا البكر مرقس الكاروز مبدد الأوثان البطريرك الأول والشاهد لآلام الرب يسوع، وقد حباها بالقديسين العظام أنطونيوس ومكاريوس وأرسانيوس وديديموس الضرير وديمتريوس الكرّام وأثناسيوس الرسولي وكيرلس عمود الدين وكيرلس الرابع أبي الإصلاح؛ وصولاً إلى العظماء المعاصرين البابا كيرلس السادس والأنبا شنودة الثالث، فتاريخنا عريق وحاضرنا مُزهر بالرغم من تقلبات الزمان .. تقليدنا أصيل ودسم؛ وروح الله لا يكف عن أن يعمل ويختار ويرسل في كل جيل؛ شهودًا يعملون ويشهدون ليسجلوا أعمال وأقوال المسيح العامل والمتكلم فينا... حتى يكتمل الهيكل كبناء من الروح؛ مترابط ومتتابع ومتكامل إلى الأعالي، عندما يختم الله ختمه الأخير؛ ويكمل التاريخ الذي لن يكمل إلا بمجيئه.
 
إن مجد كنيستنا ليس مجرد ماضي سحيق؛ لكنه حضور ومعاصرة. فالروح القدس يعمل ويكمل ويُظهر في كل جيل مختاري الله؛ ليشهدوا ويكملوا ما قد بُني عليه. فقد حبانا الله وشرفنا برؤية وتلمذة ومعاينة عن قرب للمتنيح الأنبا صموئيل والأنبا غريغوريوس والأنبا يؤنس والأنبا أثناسيوس والأنبا بيمن والأنبا مكسيموس والانبا مكاري والانبا بيمن - - - ؛ والقمص مرقس داود والقمص ميخائيل إبراهيم والقمص بيشوي كامل والقس منسي يوحنا والاشيدياكون حبيب جرجس والمقدس يوسف حبيب والدكتور وهيب جورجي والدكتور موريس تواضروس ؛ وعلماء الاكليريكية ، وسحابة الآباء الذين عملوا ويعملوا لبناء الكنيسة بحجارتها الحية؛ التي يشغل فيها المسيح مركز المنارة؛ ويُبرز مجدها كإنطباق المثيل على المثيل.
 
كنيستنا هي رجاؤنا وخلاصنا وملجأنا ومستشفانا وحظيرتنا وميناؤنا وفُلكنا الحقيقي، عالية كالسماء متسعة كالمسكونة؛ مبنية من نفوسنا وقوامنا نحن؛ كحجارة حية؛ وهي سطانة كملكة؛ أم الأولاد الفرحة... الأم الولود؛ وكجنة مغروسة في جنب المسيح؛ ترتوي من ينابيع دمه المُحيي، يرزقنا فيها الله بالصالحات والنافعات كي نعبده وحده؛ ووحده فقط؛ ولا نُقيم وزنًا إلا للاعتراف الحسن ولحفظ الأمانة ووديعة الحق، ملتفتين إليه في كل المواقف والظروف كل حين؛ بإنتباه وصحو ويقظة؛ حتى نخلص ولا يُضلنا أو يسبينا أحد.؛ فمهما كانت العثرات وضعفات الناس ؛ ومهما كانت المخازي والسقطات والاخبار المزعجة ..الا اننا في يمين الرب الحافظ العهد والامانة للذين يحبونه من كل قلوبهم .
 
والله هو الذي يرسل خليفة لرسله ليمثل حضوره وسط شعبه؛ من أجل رعاية رعية الله الناطقة (الجنس الإلهي المختار والملوكي) الذين هم عبيد الله وشعبه البار المكرم والحافظ الأمانة... عمله رعوي وسلطانه في غسل الأرجل ورسالته يجمع ويحمل ويضم ويضمد... مهما قلّبته الأيادي ومرت عليه الدهور؛ لا يخرج منه زيفٌ؛ بل كمِرآة بهية يقرِّب عن رعيته القرابين النقية؛ حتى يُصيّرهم شعبًا مستعدًا وقربانًا واحدًا بهيًا لله. لا يتسلط على الرعية؛ ولا يستأسد ولا يسود على الأنصبة بل كمن يخدم، ويعمل بشرائع وسُنن البيعة الطاهرة من أجل سلامها وبنيانها، وكل من يخدم بطهارة وبر ويعمل كبنّاء حكيم؛ الله يجزل له بحسب غنى نعمته كل حكمة وفطنة؛ ويُعرّفه بسر مشيئته التي قصدها في نفسه من أجل البنيان وحفظ التقليد بروح التطبيق الصحيح ونسيم الفاعلية وعبير البركة الموهوبة من الله، غير محمول بكل ريح نفاق أو رياء أو صَغار طفولي أو زيغان مرفوض.
 
وستبقى الكنيسة مبنية على أساس الرسل والأنبياء؛ ويسوع المسيح نفسه هو حجر زاويتها... صخر الدهور الذي فيه كل البناء مركبًا معًا ينمو كحجارة حية لا دنس فيها ولا غضن أو شيء من مثل ذلك... غنية بالأتقياء والبسطاء والعلماء والغيورين والصانعين مرضاة الله؛ من شعبه الذين اتخذوه نصيبهم وميراثهم بلا افتعال ولا تشويش ولا سعي لربح قبيح.
 
فليكن سلام وخصب لكِ يا كنيستي في هذا الزمان وفي كل أوان؛ لأنكِ أمنا وفخر مجدنا وقد وُسمنا فيكِ بالبنوة؛ وصرنا فيكِ أعضاء مكرمة وآنية طاهرة مختارة للنور ولوراثة الملكوت؛ ولن نكون أبدًا إلا أبناء بررة وأمناء لكِ ولمسيحكِ؛ من غير نزاع ولا شجار ولا تحزُّب؛ لأن قيامنا هو بعضنا بالبعض كأغصان بشرية للأصل الإلهي؛ وعظمتكِ في كونكِ ثوب المسيح وقميصه غير المخيط ولا منقسم، وعظمتكِ في أن مسيحنا حاضر في وسطكِ؛ يلاحظ ما ينقص في المنائر من زيت وفتائل وضوء... ساهر عليها.