كتبت : ابتسام كامل
رغم ابتعادي عن العمل الإعلامي والتنموي بجمعية كاريتاس مصر منذ فترة طويلة.. حيث لم يعد لي علاقة بالأمر لا إداريا ولا فنيا ولا استشاريا..  إلا أنني اضطررتُ لإلقاء نظرة على المواد التي أرُسِلت لي من البعض تستهجن وتستنكر العديد من الأوراق والتصرفات والشخصيات.. فتوقفتُ شخصيا أمام شكل اللوجو المنفر الذي لا يتفق مع أصول البراند الذي تعبتُ في ترسيخه بالجمعية قبلما أتركها و..و.، 
 
مثلما توقفتُ عند القصة التي خاطبني بشأنها أكثر من زميل وصديق.. حيث بادرني أحدهم بالسؤال، ظنا منه أنني لا أزال أدير قطاع الإعلام بالجمعية، قائلا: من إمتى الجمعيات الأهلية بتتكلم في الدين؟ فقلت: لا طبعا.. مافيش الكلام ده!
 
ففوجئت به يرسل لي صورة للوجو كاريتاس وأعلاه جملة تقول: "كل الأشياء تذبل إن تركتها، إلا القرآن إن تركته تذبل أنت"! 
 
فتعجبتُ من موقع المقولة ضمن إطار فعاليات اجتماع بين كاريتاس  مصر وكاريتاس الشرق الأوسط والدول التي تمثلها من الأردن وسوريا ولبنان والعراق وقبرص..وغيرها..  بحضور غبطة البطريرك ابراهيم إسحق بطريرك الأقباط الكاثوليك،  ومعالي الوزيرة نيڤين القباچ وزيرة التضامن..  
 
عرفتُ القصة من شخص آخر، حيث أن المقولة كانت تغلف الشيكولاتة التي وُزِعت على الحضور بالاجتماع، وربما يوجد العشرات مثلها! وإن الشخص الذي وقعت هذه المقولة بيديه هو الذي قام بوضعها أعلى لوجو كاريتاس، وقام بتصويرها ونشرها!  
 
ودونما تفكير..! حاولتُ تبسيط الأمر، رغم عدم قناعتي بأي سبب يبرر وجود أية مقولة دينية تشير لدين معين في العمل الإنساني بالجمعيات الأهلية.. 
وثانية ما حاولتُ تبرير موقف كاريتاس مصر  بأنها مجرد مقولة تنفي الاتهامات الدائمة بإن كاريتاس جمعية تنصيرية، وإننا ربما لو بحثنا سنجد عشرات المقولات الدينية التي تعتز بالكتاب المقدس. وإن المشكلة لم تكن ستظهر إن لم يقم الشخص بتصوير  المقولة التي وقعت بين بيديه؛ فصورها لشعوره بالسعادة.. بإن كاريتاس مصر الذراع الأيمن للكنيسة الكاثوليكية تعتز بدينه، فقام بالإعلان عن ذلك..! 
 
فكان رد معظم المتسائلين هو: 
- هل هذا إيمان كاريتاس مصر الحقيقي بإن كل الأشياء إن تركها الإنسان تذبل إلا القرآن فقط.. إن تركه الإنسان يذبل هو؟ ايه الغرض بالظبط يعني؟
- ماشوفناش ليه المقولات اللي عن الكتاب المقدس؟ انتم بتعملوا تنمية ولا فتنة؟
- المقولة دي.. إعلان صريح إن كاريتاس مصر ذراع الأزهر مش ذراع الكنيسة الكاثوليكية.. 
- هي كاريتاس مصر ماشية مع حد مسلم وناوية تغير دينها ولا إيه؟  
- إيه اللي دخل مقولة دينية أو سياسية في لقاء عام مع الشئون والدولة؟ 
- يا جماعة خلوا المجاملات بعيد عن الدين.. يعني لو الكلام ده وقع في إيد شخص مسيحي.. هايقول ايه؟
- عمرك شوفتي جمعية شرعية تكتب كلام زي كده عن الإنجيل؟ أنتم ليه بترخصوا نفسكم؟ 
 
حاولتُ الرد بإن المقولة تعبير عن التسامح والتعاون والانفتاح، خاصة وإن كاريتاس مصر وكاريتاس الشرق الأوسط وكاريتاس الدولية تخدم أبناء مجتمعاتها وليس أبناء طائفتها الكاثوليكية..  دون التمييز في الدين ولا الجنس ولا اللون و… إلخ! ودائما ما تسعى لتطبيق خطاب التسامح والمحبة والرعاية التي يخصها بها قداسة البابا فرنسيس..
 
فجاءني هذا الرد القاطع: قائلا: لما النفاق يوصل لحد انك تسيء لدينك الشخصي.. عشان تجامل غيرك يبقى عيب! يعني كانوا قالوا الأديان عموما،  لكن ليه يحددوا دين معين؟ تلاقي اللي وقعت الكلمة دي في إيده ضحك عليهم وسخر منهم.. واتمنى لهم الهداية ماداموا مؤمنين بالكلام ده!
 
لم أستطع التعليق على صاحب هذا الرد، حيث وقعت كلماته موقعها في عقلي.. 
 
هكذا تصنع الفتن إذن، ولو بدون قصد، بل ولو كان القصد شريفًا لرغبة في إسعاد الآخرين، بالإعلان عن التسامح واحترام وقبول الآخر  بطريقة ساذجة غير مدروسة العواقب!
 
الأمر ليس تعجبا ولا غضبا من المقولة نفسها.. 
حتى لو كانت المقولة ضمن عدة مقولات مرفقة ومجهزة بالشيكولاتة (البخت يعني)… فلا يمكن لشركة شيكولاتة محترمة أن تكتب مقولة دينية تمييزية!
 بل حتى لو كان هذا الأمر صحيحا.. فكان يجب فحص المقولات أو التخلص منها في الإعداد للمؤتمر، لئلا يكون فيها كلمات ضد رسالة كاريتاس!
ولكن كل العجب من مكانها..
وزمانها..
وطبيعة الجهة التي سمحت بوجودها في غير موقعها، دونما تدرك أنها تدين نفسها، وتنفي رسالتها،
وتتنكر لانتمائها الروحي والديني،
.. وهو أقل نعبير!