هاني صبري - المحامي 
لقد لوحظ وجود اعتراض من قبل عدد كبير من الرجال والنساء الأقباط علي أبونا ارساني ميشيل كاهن كنيسة السيدة العذراء الوجوه -شبرا، وذلك بسبب وجود فتيات أمام الهيكل والبعض يقول بوجودهن داخل الهيكل أثناء القداس.
 
وقد تعددت الآراء بين مؤيد ومعارض مما دفع الكاهن للاعتذار عن هذا الأمر وذكر علي حد قوله  نصاً (أعتذر عن هذا الخطأ الطقسي وأتعهد بعدم تكراره) .
 
أن المسيحية بزغت من اليهودية وتأثر الكثيرين بالثقافة اليونانية والرومانية، حيث كانت المجتمعات أبوية جعلت للرجال سلطة أكبر في الزواج والمجتمع ، على الرغم من أن النساء تم تكريمهن وكانت النساء أول من اكتشف قيامة المسيح ونقلْن الخبر إلى التلاميذ، وكانوا يخدمن السيد المسيح، ولكن للأسف الشديد تأثر الكثيرين بالثقافات البالية التي تنتقص من المرأة. 
 
في تقديري الشخصي إنه لا يوجد ثمة خطأ أرتكبه الكاهن لكي يقدم اعتذار عليْه، وهجوم البعض عليه هجوم غير مبرر، ومن حق المرأة دخول الهيكل فقد جاء اعتراض البعض ليس دفاعاً عن الطقوس لكنّهم يروا النساء غير مستحقات لذلك ولا يحق لهن دخول الهيكل ، فهناك موروثات خاطئة بعيدة كل البعد عن الفهم الصحيح للمسيحية التي تساوي تماماً بين الرجل والمرأة ، وتأثر الكثيرين بالثقافات المحيطة بشأن التطهير ومكانة المرأة.
 
نحن نعيش عهد النعمة ففي قصة معجزة شفاء المرأة نازفة الدم،  وكانت تلك المرأة قد أصيبت بنزيف دموي استمر لمدة اثنتي عشرة سنة، فبخلاف الألم الجسدي والمُعاناة المستمرة، فهذه المشكلة جعلها نجسة شرعًا حسب الناموس، وحينما "سَمِعَتْ بِيَسُوعَ، جَاءَتْ فِي الْجَمْعِ مِنْ وَرَاءٍ، وَمَسَّتْ ثَوْبَهُ"، قائلة لنفسها بإيمان وثقة: "إِنْ مَسَسْتُ وَلَوْ ثِيَابَهُ شُفِيتُ". "فَلِلْوَقْتِ جَفَّ يَنْبُوعُ دَمِهَا، وَعَلِمَتْ فِي جِسْمِهَا أَنَّهَا قَدْ بَرِئَتْ مِنَ الدَّاءِ"، أنها شُفِيَت في نفس اللحظة التي مسَّت فيها ثوب الرب يسوع المسيح، وأمام الجميع امتدحها لإيمانها وأعطاها البركة بكلماته الشهيرة "ثِقِي يَا ابْنَةُ، إِيمَانُكِ قَدْ شَفَاكِ.. اذْهَبِي بِسَلاَمٍ وَكُونِي صَحِيحَةً مِنْ دَائِكِ". فقد سمح السيد المسيح لهذه المرأة أن تلمسه، فكيف تحرم هذه الأيام من دخول هيكله، عن أي تقليد تتحدثون ؟!.
 
أن التقاليد المسيحية التي تعترف رسمياً بالقديسين كأشخاص لهم قداسة استثنائية في الحياة تتضمن لائحة بأسماء نساء في تلك المجموعة. أبرزهن السيدة العذراء مريم ولعل خير دليل عملي على ذلك هو تَّمثُّل المرأة المسيحية بالعذراء الطاهرة واحتلالها المكانة المتميزة في كل الطوائف المسيحيّة، كما تشمل اللائحة نساءً بارزاتٍ عاصرن السيد المسيح، وغيرهن وراهبات وهذا ما يثبت الأدوار المتنوعة التي لعبتها المرأة في الحياة المسيحية .
 
 وقد أولي بولس الرسول النساء في هذا الصدد اهتماماً كبيراً، وأقرّ بأنها تستحق مناصب بارزة في الكنيسة، والشماسة فيبي أشهر أنثي ورد اسمها في رسائل الرسل في الإصحاح الأخير من رسالة بولس الرسول إلي رومية “أوصي إليكم بأختنا فيبي التي هي خادمة الكنيسة التي في كنخريا ، لكي تقبلوها في الرب كما يحق للقديسين وتقدموا لها أي شيء احتاجته منكم لأنها صارت مساعدة لكثيرين ولي أيضاً.”(رو 16, 1- 2). ومن الواضح أنه لم ينظر إليها على أنها أقل مكانة أو مقدرة، ولكن رآها كعضو جدير بالثقة وله قيمة في جسد المسيح.
 
ومع تعليم الرسل أصبحت الشماسات جزءً اساسياً من الكنيسة ، والتقليد الرسولي يقر سيامة النساء شماسات بشروط ، وبلا صفة كهنوتية لهن على الاطلاق .
وقد أقر قانون (مجمع خلقيدونية) سيامة النساء شماسات، ولكن لم يطل العهد على وجود الشماسات في الكنيسة.
وقد اختفت خدمة الشماسات المكرسات في الكنيسة القبطية منذ القرن الثالث عشر.
 
جدير بالذكر أن الشماسة ليست رتبة كهنوتية لأنه معروف ومستقر في كنيستنا القبطية الأرثوذكسية أنه لا كهنوت للمرأة.
فمهما تعددت الآراء وتنوعت الأفكار والنظريات، فالمسيحية أعطت المرأة في كل شيء مكانة راقية ومميزة فهي معادلة للرجل بكل شيء .يقول الكتاب المقدس "أن الرَّجُلَ لَيْسَ مِنْ دُونِ الْمَرْأَةِ، وَلاَ الْمَرْأَةُ مِنْ دُونِ الرَّجُلِ فِي الرَّبِّ". اي ان الإنسان ذكراً وانثي مدعوان إلي الرب، وليس أحد منهما دون الآخر في الرب وكلنا منهم له دوره . 
 
كما ورد أيضا في رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطيه (3: 28)، ما مفاده ان المرأة والرجل واحد أمام المسيح، وهذا ينسف الممارسة القديمة من اساساتها. وهناك آيات أخري كثيرة عن المساواة بينهم.
 
فكثير من الناس لا يميزون بين ما هو بيولوجي ، وما هو دنس. هم يخلطون خلطاً رهيباً بين ما هو بيولوجي ذات طابع فسيولوجيا وقف العلم علي قوانينها، وفهمها ، وبين ما هو دنس، فيبررون بنتيجة ذلك، إقصاء المرأة في دم الحيض ، ويقرروا الانتقاص من حقوقها بدون معرفة، أليس في الرجل دم أيضاً؟ آلا ينزف الرجل إذا جُرح؟ فلماذا لا يمنع من التناول ودخول الهيكل؟.
 
فالرسالة التي بعث بها القديس اثناسيوس الكبير إلي الراهب امون، وتحمل الرقم (48)، يمكنها ان تشكل مدخلاً لهذه المسألة، :  إن وظائف الجسد لا تمت للخطيئة بصلة، فالوظائف شئ اما الخطيئة فشئ آخر، إفرازات الجسد شئ اما الدنس فشئ آخر. ليس من صلة بين الإفرازات الغير إرادية والخطيئة. ومع ذلك فإن كثيرون يصرون علي ان إفرازات جسد المرأة تمنعها من التناول ودخول الهيكل وهذا غير صحيح ويجب أن نأخذ كل الاشياء بمعايرها ونواميسها. 
 
لذلك نري أنه يتعين علي الكنيسة اعتماد منصب الشماسات مع التأكد أنهن خاضعات للشروط التي وضعها الكتاب المقدس، وبلا صفة كهنوتية لهن على الإطلاق، فخدمة المرأة شئ ضروري وعنصر أساسي لنمو الكنيسة.