‏القمص انجيلوس جرجس شنودة‏ 
 
في المقال السابق رأينا كيف اهتز عرش جستنيان وكيف أنقذته زوجته ثيؤدورا، ومنذ ذلك الوقت صارت ثيؤدورا لها رأي هام عند زوجها الخلقيدوني.
 
وقد استخدم الرب هذا حتى لا يسحق هذا الرجل الإيمان القويم وينشر الخلقيدونية بعنف وخاصة بعدما حقق انتصارات سياسية ودينية فقد استطاع إبرام صلحاً مع كسرى ملك الفرس وقد كان من ضمن بنود الصلح رجوع فلاسفة أثينا مرة أخرى بعدما أغلق جامعة أثينا العريقة وطرد فلاسفتها فهربوا إلى بلاد فارس، ولكنهم رفضوا الرجوع مرة أخرى وأسسوا مدارس فلسفية في بلاد فارس ستكون أساس نهضة فكرية في القرن الثامن كما سنرى فيما بعد.
 
وفي عام 533م كانت قبائل الوندال الأريوسية تسيطر على شمال أفريقيا ونشروا الأريوسية. وهذه القبائل الوندال والقوط كانت أصلاً وثنية وحين طلبوا من فالنس السماح لهم بالاستيطان في بلاد الإمبراطورية الرومانية بعدما زحفوا من بلادهم كان شرطه الأول أن يصيروا مسيحيون على المذهب الأريوسي.
 
وبعدها صاروا قوة عسكرية صارت الأريوسية هوية لهم خاصة لأنهم بهذا لا يكونوا خاضعين إلى كنيسة بيزنطة ولا روما. ولذلك حين أراد جستنيان محاربتهم لاسترداد شمال أفريقيا ساندته الكنيسة، فأرسل قائد الجيوش "بليساريو" الذي استطاع أن ينتصر ويخضعهم إلى سلطة بيزنطة. واعتبرت الكنيسة البيزنطية جستنيان بطل مسيحي لأنه أنقذ شمال أفريقيا من الأريوسية مما شجعه للتدخل في موضوع وحدة الكنائس تحت سلطانه ولكن بالإيمان الخلقيدوني.
 
فدعا في نفس العام 533م إلى مجمع يضم أساقفة القسطنطينية الخلقيدونيين وبلاد آسيا الصغرى وأنطاكية وكان عددهم أربعون أسقفاً خلقيدونياً. وحضره أيضاً بطريرك روما كلسيوس ومن مصر أبوليناريوس الخلقيدوني الدخيل. ودعا القديس ساويرس الأنطاكي والبابا تيموثاوس فرفض البابا تيموثاوس الحضور، ولكن ذهب إلى المجمع القديس ساويرس الأنطاكي ومعه بعض آباء أنطاكية الأرثوذكس والمحافظين على عقيدة الطبيعة الواحدة للمسيح.
 
وفي المجمع وقف القديس ساويرس وفضح ضلالات الفكر الخلقيدوني فصرخ الأساقفة الخلقيدونيين ضده وقرر المجمع تجريده من رتبته وتعيين شخص آخر على أنطاكية وهو بولس الخلقيدوني. ثم ساقوه الجند لمقابلة جستنيان في حضور ثيؤدورا. وحينما قابله قال له: "هل أنت ساويرس الذي يحتقر كنيسة اللـه؟"، فأجابه القديس: "لست أنا الذي يحتقر الإيمان، بل أنت الذي تركت الإيمان المستقيم وقبلت إيمان هرطقة نسطور ومجمع خلقيدونية وسببت اضطراب في كنائس العالم".
 
وبالطبع ثار جستنيان وأمر بقطع لسانه وسجنه، ولكن تدخلت ثيؤدورا وجعلته يسجنه فقط ثم بعد فترة استطاعت تهربيه إلى مصر التي ظل فيها حتى تنيح. وأستقبله في مصر البابا تيموثاوس وصارا الاثنان يجاهدان في تثبيت الإيمان الأرثوذكسي حتى نياحتهما.
 
فقد تنيح البابا تيموثاوس الثالث عام 535م وتنيح بعده القديس ساويرس الأنطاكي عام 538م في وقت كانت نار هرطقة الخلقيدونيين يحملها هذا الإمبراطور الذي جعلها موضوع تحدي، ولكن سارت الأحداث بعنف أكثر كما سنرى في المقال القادم إنشاء اللـه.
لإلهنا كل مجد وكرامة إلى الأبد آمين