حمدى رزق
يلفتنا البروفيسور «أسامة حمدى»، أستاذ أمراض الباطنة والسكر بجامعة «هارفارد» الأمريكية بمنشور تحذيرى، خلاصته: ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السُّفَهَاءُ مِنَّا.
البروفيسور العائد إلى مختبره بعد زيارته السنوية إلى مصر في أغسطس من كل عام مفجوعا من حالة الدجل المهيمنة على علوم التغذية في مصر يراها بيع وهم في لفافات دينية تخلب الألباب في مجتمع متدين إلى حدود الدروشة.
ويضرب المثل، ينفق المعهد القومى للصحة بالولايات المتحدة «NIH» حوالى 1.9 مليار دولار سنويًا على أبحاث التغذية، وعلى مدار السنوات الخمس الماضية، تم نشر 1300 بحث علمى عن التغذية في كبرى الدورات العلمية المتخصصة.
وللبحث العلمى في التغذية شروط أكاديمية دقيقة جدًا وشديدة التعقيد، ويحتاج كل بحث لمراجعة متعمقة قبل النشر والتطبيق، فالغذاء إما دواء شافٍ، أو سمٌّ يقتل ببطء، كما أن الأمراض المرتبطة بسوء التغذية تكلف الولايات المتحدة حوالى تريليون دولار سنويًا!
وتضم الأكاديمية الأمريكية للتغذية وعلوم الغذاء- والتى منحتنى مشكورة جائزتها الفخرية في عام 2021- (112 ألف متخصص) في علوم التغذية.. ولكن مع عميق الأسف في مجتمع تفشى فيه الجهل الصحى، أصبح مجال التغذية في مصر مفتوحًا لكل دجال أو محتال، فيكفى أن يُلحِّن قوله، ليُقنِع مستمعيه المغيبين بأنه يملك في يديه سر علاج جميع الأمراض!.
لقد أصبح مجال التغذية في مصر ساحة مفتوحة للعبث المفرط وبيع الوهم، أنا فعلًا حزين ومصدوم من الفيديوهات والبرامج المفتوحة على مصراعيها لهؤلاء المدعين الذين يستمع إليها- مع الأسف- وربما قد يصدقها ويتداولها بشراهة بعض المتعلمين.
المحزن والمؤسف أن بعض هؤلاء الدجالين ينسب نفسه إلى الجامعات المصرية، من الذين تحولوا بقدرة قادر إلى علم التغذية، ونزل عليهم وحيه وهم نائمون، فقاموا يبشرون البشر بدين غذائى جديد. كالحاوى يدعى قدرته على إبراء الأكمه والأبرص وشفاء السكر من النوع الأول، وأمراض المناعة والسرطان، وأمراض الجهاز الهضمى، والأعصاب، وكل ما استعصى علاجه، مع كلمتين بالإنجليزية لزوم الوجاهة الطبية والحزلقة العلمية!.. مثله مثل دجال المنصورة في الستينيات وهو يعتلى كرسيًّا في ميدان «الطميهى» ليبيع ماءً معكرًا في زجاجات وهو يصرخ «معايا شَربة الحاج محمود اللى تطلع الدود»!.
يضرب كل دجال منهم بمئات الأبحاث الجادة في علم التغذية عرض الحائط؛ فتجاربه كلها على مرضاه في دكانه الخاص، وكأنهم فئران تجارب.. المهم أن يصل رأيه الأحادى وأفكاره الشاذة التي جاءته في أحلامه، لينفذها صباحًا على مرضاه المتعلقين بقشة.
وفى ظل حالة من الذهان المجتمعى الشامل، أصبح كل ما هو سمك لبن تمر هندى مستساغ الطعم، ما دمت قد اشتريت الوهم، وجئت بقدميك إلى ميدان الحاوى.
والدجال ما عليه سوى ذِكر بعض الآيات البيّنات وبعض الأحاديث الشريفة، ويربطها باكتشافاته الجهنمية، لتنحنى الرؤوس فورًا مقتنعة ومسلّمة بما يهذى به في مجتمع متدين بطبعه، ما زال أغلبه يعيش في عالم الدراويش.
جاءتنى عشرات الرسائل تحمل فيديوهات غريبة لدجالى السوشيال ميديا، وتطلب منى التعليق عليها.. وبالطبع لن أستطيع؛ فالموضوع يحتاج فعلًا إلى فتح العشرات من المصحات العقلية والنفسية لعلاج هؤلاء، وأسوأهم من هو مقتنع أصلًا بما يدّعيه.
نقلا عن المصرى اليوم