محرر الأقباط متحدون
ألقى بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان كلمة خلال الجلسة الافتتاحية لأعمال السينودس السنوي العادي لأساقفة الكنيسة السريانية الكاثوليكية الأنطاكية'> الكنيسة السريانية الكاثوليكية الأنطاكية، وذلك يوم الاثنين الحادي عشر من أيلول سبتمبر ٢٠٢٣في مقر مطرانية الموصل، قره قوش – العراق، وقال غبطته "جئنا بفرح من قريب وبعيد لنجتمع هنا في بغديده – قره قوش، في سينودسٍ هو الأول الذي يُعقَد خارج لبنان منذ أكثر من 125 عاماً، أي منذ أن رضي البطريرك مار اغناطيوس بهنام بنّي بانتخاب الأساقفة القادمين إليه في الموصل، ليستلم خدمة
استهل البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان كلمته في الجلسة الافتتاحية لأعمال السينودس السنوي العادي لأساقفة الكنيسة السريانية الكاثوليكية الأنطاكية'> الكنيسة السريانية الكاثوليكية الأنطاكية قائلا إن "كلمة المحبّة والحبّ، هي في أيّامنا هذه، الأكثر استعمالاً، قولاً وإنشاداً وتردّداً على وسائل التواصل الاجتماعي. ولكن كلّنا يعلم بأنّ عيشها هو الأصعب، لأنّ الحبّ الحقيقي المؤسَّس على العطاء السخي والتفاني وقبول الآخر، يتطلّب منّا الكثير، كَيلا نبقى سجناء أنانيتنا وأهوائنا وانفعالاتنا. وبالنسبة لنا، نحن خدّام بيعة الله، كما لكلّ المعمَّدين الذين يعيشون دعوتهم، نغرف الحبّ من النبع الإلهي، لأنّ الله هو المحبّة. ولا نستطيع أن نفصل محبّتنا للآخر، أي القريب، عن محبّتنا للرب التي عليها أن تكون دائماً، محبّة صادقة دون شرط أو مقايضة، كما يعلّمنا يسوع فادينا. فالمحبّة هي هويّتنا الإيمانية، كما عُرِفَ بها المسيحيون أولاً في أنطاكية. والمحبّة هي منهجنا الروحي دون قيد أو شرط، والمحبّة هي مصداقيتنا في الشهادة المُقنِعة في عالمنا، شرقاً وغرباً. والمحبّة، أخيراً وليس آخراً، هي الرباط الذي يجمعنا ويوصلنا إلى الكمال: "كونوا كاملين كما أنّ أباكم السماوي كاملٌ هو" (متّى 5: 48).
قال غبطته في كلمته "جئنا بدورنا نؤكّد على محبّتنا لإخوتنا وأخواتنا في هذه المدينة الشاهدة والشهيدة لإيمانها الراسخ بالرب يسوع، الذي ذكّرَنا أنّ لا حبَّ أعظم من بذل الذات من أجل المحبوب. بغديده التي تحمّلت أهوال الإضطهاد من قتل وتهجير وهدم وحرق وتنكيل، تُذكِّرنا بدورها أنّ إيماننا المُعاش بالمحبّة، هو الشهادة الحقيقية للرب الفادي الذي تحمّل آلام الصليب الظافر حبّاً بنا، وأنّ لا بدّ من القيامة، كي تظلَّ كنيسة بغديده، بأسقفها وإكليروسها وشمامستها، برهبانها وراهباتها، وبجميع المؤمنين، رجالاً ونساءً، زاهيةً رجاءً وفرحاً، تحت كنف شفيعة هذه المدينة المباركة، العذراء مريم الأمّ الطاهرة، وبأدعية شهدائها وشهيداتها. فتبقى أمينةً للرب، فخورةً بالوطن الذي احتضنها منذ الأزمنة العريقة، بين هذا الشعب الطيّب الذي يشاركها حقوق المواطنة وواجباتها في رحاب محافظة نينوى، ومُجدِّدةً فعلَ رجائها "فوق كلّ رجاء"، أن يبقى العراق حرّاً وأميناً لمواطنيه وحضارته".
وأضاف البطريرك يونان "ماذا تُريد كنيستنا، وماذا ينتظر شعبُنا الطيّبُ اليومَ منّا، نحن الأساقفة المدعوّين كي نكون الرعاةَ الصالحين؟ كم هو جميلٌ أن نتذكّر قول مار بولس: "فليُشدِّد بعضُكم بعضاً وليَبنِ أحدُكم الآخر..." (1 تسالونيكي 5: 11). فلا ننسى أنّ هويّة المسيحي، وكم بالأحرى هويّتنا نحن المؤتمَنين على شعب الله، هي المحبّة التي تبني، فنبتعد عن كلّ ما يجرح و"يقولِب" الآخرين حسب فكرنا أو قناعاتنا. نحن مدعوون للتواصل والتلاقي شخصياً أو إلكترونياً، لا بروح العالم الذي خطفَتْهُ المادّية وحبّ الظهور، بل بالمحبّة التي ترفعنا إلى الأعلى، أي إلى يسوع الوديع والمتواضع القلب. كم هو غنيٌّ بالتعبير أن نتذكّر دائماً توجيهَ القديس البابا يوحنّا بولس الثاني، وهو يدعونا باسم الرب أن "ننطلق إلى العُمق"، كي نستطيع أن نؤدّي خدمتنا بالأمانة والنزاهة، معلّمين ومقدّسين ومدبّرين".
وأشار بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي إلى أنه "ومع افتتاح هذا السينودس، لا تغيب عن بالنا الأوضاع المؤلمة التي تشهدها منطقتنا وتعصف ببلداننا المشرقية، والتي ستنال حيّزاً مهمّاً من البحث والتحليل خلال جلسات سينودسنا. لكنّنا، وبالرغم من التحدّيات والمعاناة، سنبقى شعب الرجاء بالرب يسوع وبكلمته المحيية، ورجاؤنا به لا يخيب. في العراق، حيث تعرّضت كنيستنا السريانية الكاثوليكية بشكل خاص لأحداث مؤلمة جداً، من مجزرة كاتدرائية سيّدة النجاة في بغداد، والتي أدّت إلى استشهاد كاهنين شابّين وكوكبة من المؤمنين، ومن اقتلاع أبنائنا في الموصل وقرى وبلدات سهل نينوى من أرض آبائهم وأجدادهم على يد إرهابيي داعش، ومن هجرة الكثيرين منهم إلى ما وراء البحار والمحيطات. إلا أنّنا نؤكّد على أهمّية الوحدة والتعاون بين مختلف الكنائس والمؤمنين لبناء مستقبل أفضل في أرض الرافدين المباركة، بالتعايش والمودّة مع مختلف المكوّنات الدينية والثقافية. فنحن لا نحتاج لامتيازات، بل نسعى لعيش حقوقنا أسوةً بجميع شركائنا في الوطن رغم التحدّيات. وقد لمسنا من لقاءاتنا مع المسؤولين في الحكومة الاستعداد الكامل للتعاون والاستماع إلى احتياجات المواطنين، بمن فيهم المسيحيون. أمّا في سوريا، حيث تتزايد التحدّيات في ظلّ استمرار التداعيات القاسية في المناطق التي شهدت هجمات إرهابية وأعمال تخريب وتدمير، تلتزم كنيستنا السريانية، أسوةً بسائر الكنائس الشقيقة، رعاية شؤون المؤمنين وخدمتهم. فنحن جزءٌ لا يتجزّأ من نسيج هذا الوطن، ونعيش كما إخوتنا في ظلّ مفاعيل الأزمات المستمرّة في البلاد، لا سيّما المعاناة الشديدة على الصعيد الإقتصادي، وانعكاس ذلك على أبنائنا الذين يُقدِمون على الهجرة بكثافة بحثاً عن حياة كريمة، ولا تزال انعكاسات الزلزال المدمّر ماثلة رغم الجهود الحثيثة للتخفيف عن الآلام والمآسي. وهنا أيضاً نتذكّر إخوةً لنا في المغرب يعانون بسبب الزلزال الذي أصاب بلدهم منذ بضعة أيّام. نصلّي راحةً لنفوس المتوفّين وشفاءً للجرحى".
وتابع غبطته قائلا "وفي لبنان، حيث المعاناة تستمرّ وتتصاعد في ظلّ شغور منصب رئاسة الجمهورية بسبب التمادي غير المبرَّر من النواب في انتخاب رئيس جديد يعيد إنتاج سلطة سياسية تدير شؤون البلاد، وفي مقدّمتها تشكيل حكومة تسعى إلى التخفيف من حدّة الانهيار الذي يطال كلّ الأصعدة، بخاصّة القطاع الاقتصادي. فنحن لا نعيش مجرّد تمديد للفراغ الرئاسي، بل غياب حسّ المسؤولية الوطنية لدى الذين ائتُمِنوا على مقدّرات الوطن. لذا على المسؤولين، وبخاصّة على المسيحيين منهم، أن يجتمعوا بكلّ جدّية وتصميم، ويوحّدوا جهودهم من أجل النهوض بلبنان، وعلى النواب المبادرة فوراً إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية. ونحن نسعى جاهدين، مع إخوتنا رؤساء الكنائس الشقيقة، لبثّ روح الوحدة والتفاهم والتضامن والتعاون بغية تخطّي الأزمات الخطيرة، لا سيّما ونحن على أبواب افتتاح المدارس، وفي ظلّ تبخُّر أموال المودعين في المصارف، وغيرها من الأزمات التي تتآكل جسم الدولة.
ولا ننسى أحوال أبنائنا في بلدان الشرق، من مصر، والأردن، والأراضي المقدسة، وتركيا، وفي بلدان الانتشار، في أوروبا والأميركتين وأستراليا، حيث يعيش أبناؤنا حقوقهم الإنسانية الوطنية، لكنّهم يجابهون تحدّي المحافظة على إيمانهم وتراث آبائهم وأجدادهم. وإنّنا نبذل قصارى جهدنا، كبطريركية وأبرشيات ونيابات ورعايا وإرساليات، في الشرق كما في بلاد الاغتراب، للوقوف إلى جانب أبنائنا ومساندتهم قدر الإمكان. ففي لبنان، على سبيل المثال، نقوم وللعام الرابع على التوالي، بتقديم التعليم المجّاني لأولادنا في مدارسنا، تحسّساً منّا بالأوضاع الضاغطة التي يمرّون بها، فضلاً عمّا نقدّمه وإخوتنا المطارنة رعاة الأبرشيات والآباء الكهنة في رعاياهم، كي يتمكّن أبناؤنا من مجابهة الصعوبات. إنّنا نشعر بمسؤوليتنا المشتركة وبالضرورة الملحّة لمتابعة خدمة المؤمنين في الشرق كما في الغرب، روحياً ورعوياً واجتماعياً. ولا يخفى على أحد تحدّيات العلمنة والإلحاد وما يهدّد قيم العائلة والمجتمع في الغرب".
وسلط البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان الضوء على المواضيع المدرجة على جدول أعمال السينودس السنوي العادي لأساقفة الكنيسة السريانية الكاثوليكية الأنطاكية'> الكنيسة السريانية الكاثوليكية الأنطاكية، ومن بينها واقع كنيستنا اليوم، الآمال والصعوبات والتحدّيات، التضامن الأخوي الفاعل بين الأبرشيات، الهجرة واقع وتحدٍّ للكنيسة الأمّ في الشرق وكنيسة الإنتشار، الاستعدادات لسينودس الأساقفة الروماني ٢٠٢٣، واستعرض الأحداث التي عرفتها البطريركية السريانية الكاثوليكية منذ ختام المجمع السابق في حزيران يونيو ٢٠٢٢، وختم كلمته قائلا "أشكر حضوركم جميعاً، واثقاً بأنّنا سنعمل سويةً بشراكة سينودسية نابعة من المحبّة والحقّ. فأنظار أبرشياتنا ورعايانا ومؤسّساتنا، إكليروساً ومؤمنين علمانيين، هي موجَّهة نحونا، إذ تنشد منّا تفعيل الرعاية المسؤولة على مثال الراعي الصالح".