مدحت بشاي
معلوم أن من أهم سمات العمل الأهلى، الذى يميزه عن سائر الأنشطة الإنسانية، أن الالتحاق بمؤسساته يتم عبر التطوع، وعمل وحداته قريب من الناس ومن واقعهم، ولديه القدرة على التواصل المباشر مع العائلات والأهالى فى القرى والتعرف على أحلامهم ومطالبهم، بل شكاواهم وأولوياتهم ورفعها إلى أجهزة الحكومة المعنية.. وهنا، نأمل أن تكون تلك المنظمات الأهلية قادرة على أن تكون الطرف الوسيط بين الحكومة والأهالى على مستوى القرى والتوابع بعيدًا عن تدخل أصحاب النفوذ وعرقلة الحكم المحلى، بحيث تكون المشروعات الجارى تنفيذها ملكًا للناس ومستجيبة لطموحاتهم وأولويات مطالبهم.
حياة كريمة.. إنها تلك المبادرة الوطنية التى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى، وهى مبادرة متعددة فى أهدافها وأسسها، ومتكاملة فى صياغاتها وأشكالها، تنطلق هذه المبادرة من مسئولية حضارية وبُعد إنسانى قبل أى شىء آخر، فهى ليست فحسب مبادرة تهدف إلى تحسين ظروف المعيشة والحياة اليومية للمواطن المصرى، لأنها تهدف أيضًا إلى التدخل الآنى والعاجل لتكريم الإنسان المصرى وحفظ كرامته وحقه فى العيش الكريم، ذلك المواطن الذى تحمل فاتورة الإصلاح الاقتصادى الذى كان خير مساند للدولة المصرية فى معركتها نحو البناء والتنمية، لقد كان المواطن المصرى هو البطل الحقيقى الذى تحمل كل الظروف والمراحل الصعبة بكل تجرد وإخلاص وحب للوطن.
ومن هنا، كان لزامًا أن يتم التحرك على نطاق واسع، ولأول مرة، وفى إطار من التكامل وتوحيد الجهود بين مؤسسات الدولة الوطنية ومؤسسات القطاع الخاص والمجتمع المدنى وشركاء التنمية فى مصر، لأن ما تسعى هذه المبادرة إلى تقديمه من حزمة متكاملة من الخدمات، التى تشمل جوانب مختلفة صحية واجتماعية ومعيشية، هى بمثابة مسئولية ضخمة ستتشارك هذه الجهات المختلفة فى شرف والتزام تقديمها إلى المواطن المصرى، لا سيما من الفئات المجتمعية الأكثر احتياجًا للمساعدة ولمد يد العون لها، حتى تستطيع أن تحيا الحياة الأفضل التى تستحقها التى تضمن لها الحياة الكريمة.
وفى إطار تعاون وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدنى لاكتمال ودعم عمل مؤسسة «حياة كريمة» أرى أهمية ضم مؤسسات قدمت الكثير من المبادرات التطوعية فى تجميل وجه الريف المصرى، وأرى أن مؤسسة الدكتور الفنان عبدالوهاب عبدالمحسن «كمنظمة غير هادفة للربح تابعة لوزارة التضامن الاجتماعى» يمكن أن تسهم بجهد إبداعى جمالى غير مسبوق لتنمية أى موقع بجماليات الفنون الجدارية، والمؤسسة هى صاحبة فكرة الجداريات التى غيّرت وجه العديد من المناطق فى مصر المحروسة.
وتعد الجداريات المرسومة على جدران المنازل جزء من أنشطة ملتقى سنوى تقوم به مؤسسة الفنان عبدالوهاب عبدالمحسن للسنة الثالثة على التوالى، فترة الملتقى تدوم أسبوعين، وكل مرة تدعو المؤسسة فنانين مصريين وأجانب للمشاركة فى تنمية المنطقة.
لقد سبق وقدم الفنان ومؤسسته أكثر من 500 فنان من داخل مصر وخارجها للمشاركة فى المشروع كمتطوعين، اختارت المؤسسة منهم 40 من دول عدة منها مصر وكوريا الشمالية والهند ومقدونيا وتونس وإيران والسودان والبحرين.
ويؤمن «عبدالمحسن» بأن الفن أفضل سلاح لمحاربة التطرف، وبأنه كلما انغمس أهالى مدينة ما فى الأنشطة الفنية فهذا سيقتل أى تطرف من أى نوع يرغب فى الحياة بينهم، يقول: «هدف الملتقى الأساسى هو أن يزيح أى أفكار غريبة على مجتمعاتنا لتحل بدلًا منها أفكار التسامح وقبول الآخر والإيجابية، لمدة أسبوعين كاملين قمنا بأنشطة عدة منها أمسيات شعرية، وحفلات موسيقية، وكل أبطالها من سكان المنطقة، فهناك من يغنى ومن يعزف على العود، كان الملتقى فرصة لأن يعبر الجميع عن موهبته».
لا شك أن من بين أهداف الملتقى التصدى لظاهرة الهجرة غير الشرعية، والسلبيات التى يتم تصديرها عن الدولة المصرية، ويهدف الملتقى لإثراء وجدان أطفال البرلس، ولفت النظر إلى أهمية الفن فى صياغة وتشكيل الوجدان، وتجميل حوائط مدينة البرلس العتيقة التى يمتد تاريخها إلى الحضارة المصرية القديمة.
معلوم أن الثقافة مفهوم شامل وليس هو الرسم أو الكتابة وحسب بل هو حراك مجتمعى، وقد بدأ الملتقى بجداريات ثم أُضيفت المراكب الكبيرة وبعدها الصغيرة، وانتقلت المراكب للعرض بالقاهرة.. فهل يخطط الملتقى لإقامة فعاليات ثقافية موازية مثل حفل موسيقى بالافتتاح وندوة إبداعية أو بحثية بالختام أو مسابقة باسم الملتقى؟
أخيرًا، وللأسف لا توجد للمؤسسة موارد مالية، وفى كل دورة يبدأ «عبدالمحسن» فى رحلة البحث عن داعمين ورعاة والاعتماد بشكل كبير على مؤسسات الدولة كاللجوء للمحافظة للدعم وكذلك وزارة الشباب التى يعتمد عليها بدرجة كبيرة فى دعم تلك المؤسسة الإبداعية، خاصة أن لهم شراكة فى برنامج مدن ملونة وترسل لهم فى كل دورة ٦٠ شابًا من الجامعات والمراكز الفنية لمساعدة الفنانين والاحتكاك بهم
والاستفادة من خبراتهم، لكن تواجه المؤسسة فى كل دورة مشكلة فى التمويل تحاول التعامل معها.
ولا يختلف حال أطفال البرلس عن أطفال باقى القرى والمحافظات المصرية البعيدة عن القاهرة، فهى لا توجد فيها مسارح، ولا دور سينما، ولا أندية أو أماكن ترفيه، وطبعًا لا مراكز تدربهم وتصقل مواهبهم الفنية.
يقول الفنان الأكاديمى الشهير «عبدالوهاب عبدالمحسن»: «إنه ومنذ أكثر من ثلاثين عامًا، وأنا أنتظر أن أبدأ.. استدرجتنى الأسطح والخطوط والألوان، أغوتنى الطبيعة، معلمى الأول، لكننى فى كل مرة كنت أؤجل البداية، ثم فاجأتنى وأتت.. فرحت أننى استطعت، أن أعيشها كما أحب وأشتهى بحرية وشغف فى مرسمى يومضون على سطح اللوحة، فقط أنفض الغلالة البيضاء عنهم لتظهر حقيقتهم، كما أراها، وكما أعرفهم.. هى ليست صورًا شخصية، لكنها حالات تشبه أصحابها من الداخل.. منحتنا الطبيعة فراسة التلقى وفهم الدواخل، وعشت معهم وفى ملامحهم غواية اللعب بالخطوط والألوان، وكانت عمارتنا فى هذا المعرض وجوه الناس».
وأوضح عبدالوهاب عبدالمحسن أن هدف الملتقى التصدى لظاهرة الهجرة غير الشرعية، والسلبيات التى يتم تصديرها عن الدولة المصرية، ويهدف الملتقى لإثراء وجدان أطفال البرلس، ولفت النظر إلى أهمية الفن فى صياغة وتشكيل الوجدان، وتجميل حوائط مدينة البرلس العتيقة التى يمتد تاريخها إلى الحضارة المصرية القديمة.. «أنا أتعلم الفن ليس من الفنانين ولكن من الطبيعة.. ومع فكرة التواصل مع الكون.. لا أكتفى بهذا فالثقافة شىء بالغ الأهمية للفنان عمومًا.. وقد سافرت كثيرًا إلى أوروبا والشرق وعرفت كيف يكون الفنان ممتلئًا بالثقافة الإنسانية التى تعد ملكًا للبشر».
نقلا عن الدستور