سمير مرقص
(1) «كتابة وطنية مسؤولة عن مصر الحديثة»
يقول أحد أهم المنظرين لفن كتابة السيرة الذاتية «فيليب لوجون» (85 عاما) فى كتابه المرجعى المعتبر: «الميثاق الأوتوبيوجرافى» ــ 1975؛ تقاس قيمة السيرة الذاتية أو المذكرات بمدى التطابق بين «السرد والمؤلف وشخصيته»؛ أى بمدى التزام صاحب السيرة الذاتية/ المذكرات بأن: يوفق بين الحدث/ الأحداث وبين التاريخ المعروف عن المؤلف وشخصيته خلال فترة زمنية محددة أو ممتدة. وهو الالتزام الذى يعكس قدرة الذات على التحرر من: الاستغراق فى الذاتية وتمجيدها، أو تصفية الحسابات، أو هيمنة المرارات الشخصية، أو الكتابة «التقديسية» لمرحلة أو لشخص أو منظومة.. وهو ما توفر- بامتياز- فى «مسيرة تحرر: مذكرات محمد فايق»؛ ما جعلها تتسم بأمرين هما: الوطنية والمسؤولية.. وكيف لا وقد تشرب الوطنية منذ النشأة. فلقد كان يقف كل صباح فى مدرسته بمدينة المنصورة- الكوزموبوليتانية- أو ذات «التنوع الثقافى والحضارى»، «أمام النصب التذكارى للشهداء- الطلاب- الذين استشهدوا برصاص قوات الاحتلال البريطانى».. حيث كان «يشعر بالإجلال والاحترام لهؤلاء الذين ضحوا بأرواحهم من أجل إنهاء احتلال مصر واستقلالها استقلالا كاملا».. وباعتباره أحد أبناء الطبقة الوسطى التى عاشت فى حاضرة من حواضر أقاليم مصر، ثم أتيحت لها الفرصة أن تعيش فى فيينا ما بين الحربين، (ولاحقا فى ضاحية مصر الجديدة منذ الأربعينيات ذات الطابع المعمارى المركب)، ومن ثم تمكنت منها القيم «المدينية» فى أجل صورها، ومن ضمنها: التعليم، والثقافة، والانضباط الأسرى فى إطار ديمقراطى، والمدنية،..، إلخ، إضافة إلى المسؤولية. فى هذا المقام، يمكن لقارئ المذكرات أن يلحظ كيف كُتبت «بنفس وطنى- مسؤول»؛ رافق الكاتب فى كل مراحل حياته: مرحلة ثورة 1919 البرلمانية، ومرحلة يوليو الناصرية الثورة فالدولة، ومرحلة يوليو المضادة، ومرحلة يوليو البيروقراطية، إلى مرحلتى الحراك والتمرد.
(2) «الاستقلال الوطنى والاقتصادى»
كانت كل المؤشرات تقول بأن محمد فايق سوف يتجه لدراسة الطب، فحبه للكيمياء، وللقراءات العلمية إضافة للقراءات السياسية. وبالفعل حصل فايق على مجموع كبير بمعايير ذلك الوقت كان يسمح له بدخول كلية الطب بمجانية تفوّق. وبالفعل استعد لدراسة الطب، لكن والده فاجأه بسؤال: «هل ستصبحان أنت وأخوك طبيبين». وأتبع والده التساؤل الأول بآخر عما إذا كان يرغب فى التقدم للكلية الحربية. فأجابه فايق «أوافق شرط ألا يتوسط أحد من أجل قبولى». وبالفعل تقدم للكلية الحربية التى قبلته عام 1946. وكيف لا يغير مساره الدراسى وهو الذى أفصح عن أن قضية الاستقلال وإنهاء الاحتلال فى مصر كانت تشغل باله وتفكيره.. كذلك الأوضاع الاجتماعية المتفجرة وإدراكه بحلول سنة 1951 أنه لا حل للمسألة الوطنية «إلا بتغيير الأوضاع الداخلية تغييرا جذريا». وعن هذه الفترة يستعرض أحوال البلاد والعباد فى مصر، كما يكتب عن كثير من الشخصيات والأحزاب والحركات حيث التزم الموضوعية الشديدة فى تقييماته كما يلى: تقديره لزعامة سعد زغلول والنحاس، وللنهضة التى شهدتها مصر بفضل ثورة 1919، والدور السيئ الذى لعبته السراى ومن خلفها الإنجليز فى تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فى مصر، وخيارات الإخوان ومصر الفتاة التى انحازت للملك وخاصمت إرادة الأغلبية. وكلها عوامل ساهمت فى انخراطه فى ثورة يوليو وانطلاقة دوره التاريخى فى بناء مؤسسات دولة يوليو التى كانت ذروتها فى دعم المقاومة والعمل الفدائى على أسس علمية مخططة، والتى كان من ثمارها العديد من العمليات الموجعة ضد الاحتلال البريطانى؛ نتج عنها تحقيق الاستقلال الوطنى شغله الشاغل على مدى عقود. ومع مرور الوقت ونضج الوعى يدرك الأستاذ محمد فايق أن الجلاء وحده لا يكفى فلا بد من الاستقلال الاقتصادى؛ لذا يقول عن تأميم قناة السويس: «لم يكن تأميم قناة السويس مجرد انتقال ملكية شركة أو مرفق إلى ملكية الدولة، كما لم يكن ذلك مجرد عمل اقتصادى.. بل عملية ارتبطت ارتباطا وثيقا بحركة التحرر الوطنى واستقلال مصر والمشروع التنموى لها ولشعبها. وهنا يذكر الأستاذ فايق الكثير من التفاصيل حول المقاومة المصرية ضد العدوان الثلاثى، والقناعة القاعدية بمشروعية التأميم وحق الدفاع عن الحقوق الوطنية.
(3) «التحرر الإفريقى وحقوق الإنسان»
ويؤكد محمد فايق أنه على الرغم من انخراطه فى كثير من الأعمال والمهام إلا أن الموضوعين/ الملفين اللذين يعتز بهما: ملف إفريقيا الذى نجح فيه نجاحا جليا فى زمن حركات التحرر الوطنى التاريخية، وملف حقوق الإنسان وحلمه أن يصنع «مستقبلا لمصر بوجه أكثر إنسانية».. وحولهما نواصل.
نقلا عن المصرى اليوم