صلاح الغزالى حرب
كلنا نسمع عن مرضى السكر وارتفاع ضغط الدم، وكلاهما للأسف الشديد ينتشر بسرعة في منطقتنا العربية، ومنها بالطبع مصر، وكلاهما يرتبط بقوة بالأزمات القلبية والسكتة الدماغية والفشل الكلوى وفقد النظر وبتر الأطراف وغيرها من المضاعفات، ولذلك كانت صيحتى التي أطلقتها أكثر من مرة بضرورة إحياء مشروع الكشف المبكر عن السكر في كل مستشفى حكومى في كل محافظات مصر (من أجل اكتشاف ارتفاع الضغط لأول مرة وكذا اكتشاف السكر وحالات ما قبل السكر).. ومن ناحية أخرى فقد لاحظت أن الكثيرين لم يسمعوا من قبل عما قبل السكر وما قبل الضغط، وهو في رأيى أهم كثيرًا من المرض، وهو ما سوف أشرحه اليوم.
أولًا.. ما قبل السكر:
بكلمات بسيطة أوضح أن الإنسان عندما يتناول طعامه يتحول معظم هذا الطعام في المعدة والأمعاء إلى جلوكوز (سكر)، ما بدوره يثير انتباه البنكرياس (يوجد خلف المعدة) لسرعة إفراز هرمون الأنسولين، الذي يعمل على إدخال هذا الجلوكوز إلى خلايا الجسم، (خاصة في الكبد والعضلات والدهون وغيرها)، لتحويله إلى طاقة يحتاجها الجسم.. ويعانى كثير من الناس حالة مقاومة هورمون الأنسولين، ما يؤدى إلى زيادة نسبة الجلوكوز بالدم عن المستوى الطبيعى، ولكنه يظل أقل من مستوى الجلوكوز في مريض السكر (وهو ما يسمى ما قبل السكر)، ولإنقاذ الموقف، يبدأ البنكرياس في إفراز المزيد من الأنسولين لإنقاذ الموقف لمنع ظهور مرض السكر، ولكن وبمرور الوقت يصاب البنكرياس بالإجهاد، وتقل نسبة الأنسولين التي يفرزها ليظهر مرض السكر الذي يلازم الإنسان طول حياته.. وتثور هنا بعض الأسئلة:
1) ما الأسباب التي تؤدى إلى مقاومة الأنسولين؟
هناك أساب كثيرة.. منها العامل الوراثى (وجود مرض السكر بالعائلة) وزيادة الوزن والسمنة، (وخاصة في منطقة وسط البطن) والكبد الدهنى وتكيس المبايض عند الإناث وعدم ممارسة الرياضة بانتظام وحدوث سكر حمل سابقًا وارتفاع ضغط الدم والتدخين وتجاوز العمر 45 عامًا والتعاطى المستمر والكثير لبعض الأدوية مثل الكورتيزون.
2) هل يؤدى التوتر العصبى وأزمات الحياة إلى ظهور هذه الحالة؟
نعم، ثبت أن زيادة درجة التوتر والقلق لفترة طويلة قد تؤدى إلى إفراز الكثير من هرمونى الأدرينالين والكورتيزون، والذى يؤدى بدوره إلى مقاومة الأنسولين (ما قبل السكر).
3) ما أعراض هذه الحالة؟
في معظم الحالات لا توجد للأسف أي أعراض على الإطلاق، (ومن هنا تأتى أهمية ضرورة اكتشاف الحالة قبل ظهور السكر من أجل تأخير أو منع ظهوره)، وهناك أحيانًا بعض الأعراض، ومنها الإحساس بالفتور والعطش والإحساس بالجوع وكثرة التبول.
4) كيف يمكن تشخيصها معمليًّا؟
عندما يكون مستوى السكر الصائم 100- 125 مج، وبعد الأكل بساعتين 140- 199مج، ونسبة السكر التراكمى 5.7%- 6.4.%، وزيادة نسبة الدهون الثلاثية بالدم أكثر من 150 مج، ونقص نسبة الكوليسترول الحميد إلى أقل من 40 مج.
5) ما مدى انتشار الحالة؟
يصل عددهم في الولايات المتحدة إلى نحو 96 مليون فرد (واحد من كل ثلاثة يعانى هذه الحالة).
6) هل من الضرورى أن تتحول الحالة إلى مرض السكر؟
نحو 25% يتحولون إلى مرض السكر خلال 3- 5 سنوات.
7) كيف يمكن العلاج لمنع ظهور السكر؟
يمكن تلخيص العلاج إلى ثلاثية: إنقاص الوزن، وممارسة الرياضة، والأكل الصحى: تجنب كل السوائل المسكرة والعصائر المصنعة، والحد من تناول الحلويات، (وليس منعها)، وكذا الفواكه المجففة وغيرها، مع الإكثار من الخضروات بأنواعها، وما أكثرها عندنا، والفواكه، ومنها الموز، وأيضًا المكسرات وزيت الزيتون وكل أنواع الحبوب، مثل الفول واللوبيا والعدس، مع الإكثار من الماء، ومنع التدخين نهائيًّا.
ثانيًا.. ما قبل الضغط:
كثيرون للأسف لا يسمعون عن (ما قبل الضغط)، مع أهميته لاكتشاف ارتفاع الضغط في وقت مبكر، وينصح العلماء بضرورة قياسه من سن 20 عامًا، فإذا كانت القراءة أقل من 120/80 يُعاد القياس كل سنتين لاكتشافه مبكرًا قبل حدوث تضخم في عضلة القلب نتيجة لهذا الارتفاع، وهناك 3 درجات للضغط.. الأولى وهى ما قبل الضغط حين تكون القراءة ما بين 120/80 و139/89، والثانية وتبدأ من 140/90، والثالثة تبدأ من 180/110، بشرط تكرار القياس عدة مرات، في أيام مختلفة، لتأكيد التشخيص في كل حالة، فماذا عن الدرجة الأولى المسماة ما قبل الضغط، والتى تمثل إنذارًا بقرب التحول إلى مريض ضغط دائم وما ينتج عنه من أزمات قلبية ومخية وضعف عضلة القلب والفشل الكلوى؟
1) الأسباب: العامل الوراثى، والعادات الغذائية السيئة، وأهمها الوجبات السريعة، التي غالبًا ما تكون غنية بالملح، ومرض السكر، والتدخين، وهذه الحالة ليست لها علاقة بالعمر، ولا بالتوتر العصبى، إلا إذا استمر لفترة طويلة، وقد أثبتت الأبحاث في الولايات المتحدة وجود نحو 59 مليونًا مصابين بما قبل الضغط (50% من عمر أكبر من 18 عامًا).
2) العلاج: هناك فرصة كبيرة أمام الشخص كى يعود إنسانًا سليمًا بضغط طبيعى، بعد تغيير نمط حياته:
(إنقاص الوزن عند السمنة، والمداومة على ممارسة الرياضة، والإكثار من الخضروات والفواكه والحبوب والأسماك، مع قليل من الدسم، والإقلال من الملح بقدر الإمكان، فالاستهلاك الأقصى الموصَى به يعادل نحو 5-6 جرامات، مع الإكثار من الأغذية الغنية بالبوتاسيوم، مثل البطاطس والبقوليات والمأكولات البحرية والخضروات الورقية والعصائر الطبيعية والألبان والطماطم والموز وغيرها، والإقلاع عن التدخين)، ولا داعى لاستخدام العلاج الدوائى (علاج لا دوائى).
وتبقى أخيرًا بعض الملاحظات المهمة الخاصة بقياس الضغط وارتفاع الضغط الخبيث:
1) اختيار الجهاز المناسب، ويُفضل الزئبقى.
2) يكون الوضع جالسًا، وبهدوء، مع تجنب الحديث، وبغير استخدام التدخين والكافيين قبيل الفحص.
3) يُستحسن عدم القياس بعد الاستيقاظ مباشرة، وكذا بعد تناول الوجبة الرئيسة.
4) يُستحسن أن يكون القياس بواسطة طبيب أو عضو هيئة تمريض مدرب.
5) في كبار السن ينبغى أن يكون الضغط 130/140 على 80/90، مهما كان العمر، كما يجب أن يكون أقل من 130/80 عند مرضى الكلى المزمن، وعند السيدة الحامل يتراوح بين 110/70 و120/80، وعند مريض السكر أقل من 130/80.
ضغط الدم الخبيث:
يتميز هذا الضغط بارتفاع مفاجئ يتجاوز 180/120، وهو يُعتبر من الحالات الطارئة، ويصاحَب بصداع شديد، وحدوث مشكلات في الرؤية، وأوجاع بالصدر، ونزيف من الأنف، وهو غالبًا ما يحدث في حالات أورام الغدة الكظرية والفشل الكلوى، كما أن التدخين قد يؤدى إلى زيادة مفاجئة في الضغط، مع زيادة في ضربات القلب، وكذا عند إهمال العلاج، وما أكثره، بكل أسف.
نصائح لمرضى ما قبل السكر وما قبل الضغط:
أولًا: الفحص الدورى الشامل مهم جدًّا لكل مَن تجاوزعمره 35 عامًا.. فمعظم الأمراض الخطيرة والمزمنة لا أعراض لها في البداية، ولا تُكتشف إلا بالفحص الشامل.
ثانيًا: لا فائدة على الإطلاق من التدخين، بل العكس هو الصحيح، فكل يوم يمر على المدخن يترك الدخان أثره على الكثير من الأعضاء بلا أعراض محسوسة، ونحن جميعًا نعلم أنه أحد أهم عوامل الخطر الرئيسة للنوبات القلبية والسكتات الدماغية المفاجئة ومرض الانسداد الرئوى المزمن، كما أنه من أسباب العديد من السرطانات، وخاصة الرئة والحنجرة والفم والمثانة والبنكرياس، كما أنه أحد أهم أسباب ضيق الشرايين وارتفاع الضغط وأيضًا مرض السكر في حالات ما قبل السكر.
ثالثًا: يجب على المواطن أن يحترم شكواه، مهما كانت بسيطة، ولا يعتمد على المسكنات واللجوء إلى الأصدقاء والمعارف ومدعى الطب، كما أن من واجب الطبيب أن يحترم كل شكوى، مهما كانت بسيطة، ويتسلح بسلاح المناقشة التفصيلية، والكشف الشامل كما تعلمها.
رابعًا: مع احترامى الشديد للصيادلة- زملاء المهنة الطبية- فإنى أحذر من محاولة تشخيص المرض وإعطاء العلاج، بغير كشف طبى، وكذا إعطاء أدوية للصداع أو للتهدئة أو لتقليل الألم، بغير إذن الطبيب، كما أناشد كليات الصيدلة أن تتوسع في تخصص الصيدلة الإكلينيكية، التي تسهم مع الطبيب المعالج في مساعدة المريض.
نقلا عن المصرى اليوم