أحمد الجمال
كل المواساة للشعب المغربى الشقيق، والدعاء بالرحمة لقتلى الزلزال، وبالشفاء للجرحى، وبالتعافى النفسى لكل من زلزلت الكارثة كيانه، حيث تبقى ظاهرة الزلازل تحمل سمات خاصة بها ككارثة طبيعية تختلف عن الفيضانات والحرائق والبراكين، وأهم تلك السمات أنها- حتى الآن- يصعب التنبؤ بها، وربما يستحيل التنبؤ بها، أى بحدوثها وبدرجتها وبالوقت الذى تستغرقه، وبالأضرار الناجمة عنها، ولا أخفى أن التضارب فى مدى تأثر مصر بالزلازل سيبقى مصدر قلق عند الناس، إذ قيل إن مصر خارج أحزمة الزلازل التقليدية، وقيل إنها يمكن أن تكون فيها، ولكن ما تتعرض له من زلازل ليس عنيفًا مثل مناطق أخرى، وبعد زلزال 1992 أقدم بعض الخبراء على القول إن مصر دخلت الحزام، وأيًا كان الأمر فإن ما جرى فى تركيا وسوريا وجرى فى المغرب، وثلاثتها تطل على البحر المتوسط، إضافة للكلام العلمى عن حركة الصفائح القارية، وعن الدوران العكسى للنواة الداخلية للكرة الأرضية، وإعادة توزيع الحرارة فى تلك النواة، كل ذلك يجعلنا فى مصر فى يقظة كاملة استعدادًا لأى مفاجأة، إذ بعد أن كان عدد الزلازل فى العالم خلال سنة 2010 حوالى 5900 زلزال شهدت 2023 فى شهورها الثمانية المنقضية 19000 زلزال.
وأعود للمغرب، فأجد إحصائيات نشرتها بعض الصحف هناك، وفيها أن زلزالًا هزّ ضفتى مضيق جبل طارق فى 28 مايو سنة 818، ثم ضرب المغرب زلزالان عنيفان فى أول وآخر ديسمبر سنه 1079، ما أدى لمصرع المئات ولحدوث دمار هائل، وفى مايو سنة 1624 وقع زلزال مدمر أتى على أجزاء واسعة من مدن فاس ومكناس وتازة، وفى أغسطس 1660 ضرب زلزال عنيف منطقة مليلة وخلّف ضحايا وخسائر ضخمة، وفى 1719 وبعدها 1722 ضربت الزلازل مراكش ومدنًا ساحلية، ثم فى سنة 1731 شهدت أجادير زلازل عنيفة دمرت أحياءها، وهكذا الحال فى شهر نوفمبر 1731 عندما دمر زلزالان مدينة لشبونة البرتغالية ومعظم المدن الساحلية المغربية، وضرب زلزال فى أغسطس 1792 مدينة مليلة، وتكررت المأساة فى فبراير 1848، ثم فى يناير 1909 دمرت الزلازل أحياء عديدة فى تطوان، وجاءت كارثة وفاجعة مدينة أجادير فى 29 فبراير 1960 إذ دمرها زلزال بقوة 5.7 درجة على مقياس ريختر وسقط 15 ألف قتيل، وتشريد 35 ألف نسمة، وقد عشت وأنا فى المرحلة الثانوية بالأحمدية الثانوية فى طنطا أخبار زلزال أجادير، وكنا فى رمضان، وتدفقت المساعدات من مصر ومن غيرها. تكررت الزلازل فى فبراير 1969، وفى فبراير 2004 عندما ضرب زلزال عنيف إقليم الحسيمة، وخلَّف حوالى 700 قتيل وألف جريح، وشرَّد أكثر من خمسين ألفًا.
ولأننى منهمك فى إعادة قراءة تاريخ المحروسة، وأطالع الآن الجزء الأول من بدائع الزهور لابن إياس، وبمناسبة حديث الزلازل يذكر عمنا ابن إياس أنه فى ثالث وعشرين ذى الحجة سنة اثنتين وسبعمائة، أى 23 ذى الحجة سنة 702 هجرية، وقعت زلزلة عظيمة بالديار المصرية وأعمالها، وكانت قوة عملها فى ثغر الإسكندرية، فهدمت سورها والأبراج التى به، وهدمت من المنار جانبًا وفاض ماء البحر المالح حتى أغرق البساتين هناك، وفى باقى الديار المصرية هدمت جانبًا من جامع الحاكم، وهدمت مئذنة المدرسة المنصورية، ومئذنة جامع الظافر، ومئذنة جامع الصالح الذى عند باب زويلة، وجانبًا من جامع عمرو الذى بمصر العتيقة، وتشقق من هذه الزلزلة مواضع بالجبل المقطم، فلما تزايد الأمر خرج الناس إلى الصحارى وهرب الناس من دكاكينهم وتركوها مفتوحة، وخرجت النساء من بيوتهن مسبيات، وظن الناس أنها القيامة، وسقطت أماكن كثيرة على الناس وهلكوا تحت الردم، وأقامت «ظلت» هذه الزلزلة تعاود الناس مدة عشرين يوما- يقصد توابعها- وكانت هذه الزلزلة فى قوة الصيف وجاء عقيبها ريح أسود فيه سموم تلفح حتى أغمى على الناس منها، وقيل إن هذه الزلزلة متصلة إلى دمشق والكرك والشوبك وصفد وغالب البلاد الشامية، وقد قيل فى المعنى:
زلزلت الأرض فخاف الورى
وابتهلوا إلى العزيز الحكيم
فليذكروا مع خوفهم قوله
زلزلة الساعة شىء عظيم
انتهى ما كتبه «ابن إياس» عن الزلزال الذى وقع سنة 702 هجرية، أى منذ حوالى 743 سنة هجرية، أما ما يمكن أن يكتبه ابن الجمال عن زلزال 1992، وقد شاءت الأقدار أن يفلت من موت محقق جراء ذلك الزلزال، فهو كلام طريف
نقلا عن المصرى اليوم