محرر الأقباط متحدون
كانت كاريزما الرهبنة البندكتية وضرورة الحفاظ عليها محور الكلمة التي وجهها البابا فرنسيس صباح اليوم إلى المشاركين في المؤتمر العالمي الخامس للرهبنة البندكتية.
استقبل البابا فرنسيس صباح اليوم الجمعة ١٥ أيلول سبتمبر المشاركين في المؤتمر العالمي الخامس للرهبنة البندكتية. وعقب ترحيبه بضيوفه توقف قداسته عند كاريزما هذه الرهبنة فقال إنه يمكن اعتبارها قد اُختصرت في التعبير الجميل للقديس بندكتس حيث دعا إلى التحلي بقلوب وسعتها سيادة المحبة التي لا توصف. وتابع الأب الأقدس أن هذا القلب هو ما يميز الروح البندكتية التي غذت الروحانية في العالم الغربي ثم انتشرت في كل القارات، كما وأعرب عن قناعته بأن هذا القلب المتسع هو سر عمل الكرازة الكبير الذي تقوم به الرهبانية البندكتية، وتشاركون فيه أنتم أيضا على خطى القديس بندكتس، قال البابا للحضور.
ثم أراد الأب الأقدس التأمل في ثلاثة جوانب لهذا القلب المتسع ألا وهي البحث عن الله، الشغف بالإنجيل، والضيافة. وواصل متحدثا عن الجانب الأول فقال إن الحياة البندكتية تتميز قبل كل شيء بالبحث الدائم عن الله ومشيته وما يصنع من عجائب، ويحدث هذا البحث أولا في الكلمة ثم في التأمل في الخليقة والتساؤل حول الأحداث اليومية وعيش العمل كصلاة وأخيرا في الأشخاص، الأخوة والأخوات الذين تجعلكم العناية الإلهية تلتقونهم، قال قداسته وتابع: أنتم مدعوون في كل هذا إلى البحث عن الله.
ثم انتقل البابا فرنسيس إلى الحديث عن الجانب الثاني أي الشغف بالإنجيل، وقال في هذا السياق إن حياة مَن يتبع القديس بندكتس تكون موهَبة وممتلئة وزخمة. وتابع قائلا للمشاركين في المؤتمر إنهم مدعوون إلى أن يحوِّلوا أينما يعيشون أطر الحياة اليومية عاملين وكأنهم خميرة، وذلك بكفاءة ومسؤولية وفي الوقت ذاته بتواضع وشفقة. وعاد البابا هنا إلى المجمع الفاتيكاني الثاني الذي أشار إلى هذا الشغف الرسولي بوضوح حين تحدث عن دور العلمانيين في الكنيسة، وذلك في الدستور العقائدي في الكنيسة "نور الأمم" (Lumen Gentium)، حيث هم مدعوون إلى أن يطلبوا ملكوت الله بينما يتعاطون الأشياء الزمنية ويوجِّهونها وفقاً لإرادة الله وذلك من الداخل كالخميرة. وواصل قداسته داعيا إلى التأمل في فترة الانتقال من سقوط الامبراطورية الرومانية إلى نشأة مجتمع العصور الوسطى وإلى التفكير في ما شكلت الرهبنة وما قدمت من نموذج للحياة الإنجيلية القائمة على الصلاة والعمل. وتحدث البابا بالتالي عن غيرة هي ثمرة الشغف بالإنجيل، ثم أشار إلى أن اليوم، وفي العالم المعاصر المعولَم والمفكَّك في الوقت ذاته، المتسرع والمتمركز على الاستهلاك، وحيثما يبدو أن الجذور العائلية والاجتماعية في تفكك، ليست هناك حاجة إلى مسيحيين يوجهون أصابع الاتهام بل إلى شهود شغوفين ينشرون الإنجيل في الحياة من خلال الحياة.
وفي تطرقه إلى الجانب الثالث للتقاليد البندكتية، أي الضيافة، ذكّر البابا فرنسيس بأن القديس بندكتس قد خصص لها فصلا كاملا في القانون. وقد بدأ هذا الفصل متحدثا عن أن كل الضيوف الذين يأتون إلى الدير يحب استقبالهم كالمسيح الذي قال: كنت غريبا فآويتموني. وواصل الأب الأقدس أن القديس بندكتس يتابع الحديث عن هذا الأمر مشيرا إلى عدد من التصرفات اللازم القيام بها إزاء الضيوف من قِبل الجماعة بكاملها، ومن بينها تقاسم أسمى الأشياء معهم، أي تبادل السلام. ويتوقف القديس بندكتس عند ضرورة استقبال الفقراء والحجاج بكل حنان لأن فيهم بشكل خاص يتم استقبال المسيح. وقال البابا لضيوفه إن ديرهم هو العالم، المدن وأماكن العمل، وهم مدعوون إلى أن يكونوا نموذجا لاستقبال واحترام مَن يقرع أبوابهم، مع اهتمام خاص بالفقراء. وحذر الأب الأقدس في هذا السياق من الانغلاق والثرثرة.
وفي ختام حديثه إلى المشاركين في المؤتمر العالمي الخامس للرهبنة البندكتية قال البابا فرنسيس لضيوفه إنه يريد أن يبارك الله معهم على ما يحفظون من إرث قداسة وحكمة، كما ودعاهم إلى مواصلة توسيع القلوب وتكريسها يوميا لمحبة الله، وأيضا إلى عدم التوقف أبدا عن البحث عن الله وعن الشهادة له بشغف واستقباله في أكثر الأشخاص فقرا.