القمص انجيلوس جرجس شنودة
قلنا سابقاً أن تدخل السلطة المدنية في الكنيسة كان من تدبير الشيطان حتى يستطيع أن تكون هناك سلطة خارج الكنيسة تحاول إخضاع آباء الكنيسة إلى أهواء وأفكار الإمبراطور أو الملك، وكان يملك القوة العسكرية ومع الكبرياء والضعف الروحي لهؤلاء الملوك وجدنا الكنيسة تعاني.

وقد وصل الشعور لجستنيان إنه أعلى من سلطة الكنيسة وإنه قادر على إخضاع كل شيء لسلطانه حتى الأمور الإيمانية. وبعدما أخضع شمال أفريقيا لسلطانه وشعر بقوته، ولكن عام 533م أرسل إليه كسرى ملك الفرس يطالبه بحقه في غنائم الحرب التي كسبها هناك، فرد عليه جستنيان: "وما هو دورك في هذا؟"، فرد عليه: "لولا الصلح الذي وافقت عليه لما استطعت سحب جيوشك من المنطقة الشرقية وتوجهها إلى شمال أفريقيا ولم يكن ممكناً أيضاً أن تسيطر على روما. إما أن تعطيني ثمن هذا أو يكون الصلح بيننا لاغي".

فرفض جستنيان الصلح وأعلن العداوة معه فأخذ كسرى جيوش الفرس وعبر نحو حدود مملكة القسطنطينية عام 539م وحاصر أنطاكية ودخلها وحرق كل كنائسها ودمر المدينة وصارت مذابح في الشوارع ووصل عدد القتلى 300,000. ودخل الجنود ونهبوا الكنائس وأخذوا الأواني الذهبية منها ونهبوا البيوت، فأرسل جستنيان له مندوبين يطلبون منه الصلح. ففرض على جستنيان جزية سنوية تدفع له مقابل الصلح.

وفي مصر كان البابا تيموثاوس قد تنيح عام 536م بعد جهاد طويل لتثبيت الإيمان وعدم تسليم الكنيسة للإيمان الخلقيدوني ولو على حساب حياته. فاجتمع الآباء واختاروا البابا ثيؤدوسيوس سريعاً وكان كاهناً متبتلاً قوياً في الإيمان مجاهراً بقوة.

وعلم أبوليناريوس الدخيل بجلوسه على كرسي مارمرقس فأخذ قوة وهاجم الكاتدرائية فهرب البابا ثيؤدوسيوس، ولكنه جمع الآباء الأساقفة وعقد مجمعاً حرم فيه خلقيدونية ومنشور لاون وكل من يؤمن به بما فيهم البطريرك الدخيل أبوليناريوس.

هرطقة يوليانوس:
وحين هرب القديس ساويرس من أنطاكية وقت جستين عام 518م هرب معه راهب اسمه يوليانوس إلى مصر وكان غنياً وقد اُضطهد لأنه كان ضد خلقيدونية، ولكنه تطرف في دفاعه عن طبيعة السيد المسيح فسقط في هرطقة تشابه هرطقة أوطاخي فقد قال: "أن جسد السيد المسيح جسد مختلف عن طبيعتنا فهو غير قابل للألم أو الموت".

وواجهه القديس ساويرس وفند أخطاؤه وواجهته الكنيسة القبطية وحرمه البابا تيموثاوس الثالث بمجمع. وصارت هناك هرطقة اسمها اليوليانية. ولأنه هرب وسط الرهبان فقد استطاع إقناع بعض الرهبان بأفكاره فاستطاعوا الانتشار في أديرة وادي النطرون وأصبح اليوليانيين منتشرين بأفكارهم. وحين واجهوهم الآباء الذين رفضوا هرطقاتهم استقلوا بكنائس داخل الأديرة وقسموا الدير إلى جماعة يوليانية وأما الجماعة الغير يوليانية فأطلقت على نفسها اسم العذراء قبل اسم الدير أي دير العذراء البراموس، ودير العذراء السريان، ودير العذراء الأنبا بيشوي، أي أنهم ضد أفكار هذه الهرطقة واستمرت هذه التسمية فيما بعد.

واستطاع يوليانوس أن يدفع أموالاً إلى والي الإسكندرية الخلقيدوني وأقنع رئيس شمامسة الكاتدرائية بالإسكندرية واسمه "قيانوس" لكي يكون بطريركاً على الكنيسة القبطية واعترف به والي الإسكندرية بعد أن وضع عليه اليد أساقفة تابعين لهذا المهرطق. وأصبح في الإسكندرية ثلاثة بطاركة اثنين دخلاء أبوليناريوس المعين من بيزنطة الخلقيدوني، وقيانوس المعين من يوليانوس الهرطوقي، والبابا ثيؤدوسيوس البابا الشرعي للكنيسة.

ولكن بالطبع رفض الأقباط الاعتراف بأي بطريرك أخر غير البابا ثيؤدوسيوس، وسارت مظاهرات في الشوارع مطالبين بالبابا ثيؤدوسيوس في كل مصر وحاصروا قصر والي الإسكندرية، فأرسل إلى جستنيان يخبره بالوضع وكيف يتعامل مع الأقباط، وعرف الإمبراطور مشكلة الكرسي المرقسي فشكل لجنة قانونية لكي تذهب إلى الإسكندرية وتفصل في الوضع. وعلمت ثيؤدورا فخافت من انحياز اللجنة إلى التيار الخلقيدوني فطلبت من زوجها أن يترك لها هذا الأمر وستخبره بنتائج التحقيقات. أما ما سيحدث فيما بعد ستعرفه المقال القادم إن شاء اللـه.

لإلهنا كل مجد وكرامة إلى الأبد آمين